تقرير اقتصادي: لا تنمية بلا بيانات اقتصادية دورية وحديثة… وبمعايير سليمة

Q8-Fund.Manager

عضو نشط
التسجيل
17 نوفمبر 2009
المشاركات
7,380
الإقامة
Kuwait
بقلم : محمد البغلي
رئيس القسم الاقتصادي
جريدة الجريدة


تعتبر الإحصائيات والبيانات الاقتصادية من أهم عوامل البنية التحتية لاستصدار القرارات في دول العالم المتحضر، إلا أن الواقع في الكويت يشهد فقرا لافتا في هذه النوعية من الأرقام التي تعين متخذ القرار على معرفة الوضع الحالي وتوقُّع المستقبل بناء على بيانات وأرقام مباشرة وصحيحة.

ورغم أن في الكويت إدارة عامة للإحصاء، فإنها تعاني غياب مجموعة كبرى من الأرقام يمكن أن يستفيد منها القطاع الخاص ومتخذ القرار على حد سواء، فلا بيانات عن الاستهلاك، ولا عن شرائح الدخل، ولا عن تفاصيل العمالة الوافدة، فضلاً عن التجارة الخارجية والتبادل التجاري بين الكويت ودول العالم.

بيانات منتهية الصلاحية

بل إن بيانات مهمة مثل مستوى التضخم الذي يصدر في الكويت، نجدها تتحدث عن أشهر سابقة، ما يجعل معلوماتها منتهية الصلاحية وبلا معنى، مع أن مستوى التضخم وقياسه يمكن أن يكونا مدخلاً أساسياً في علاج كل ما يثار بشأن الكوادر الوظيفية وزيادات الرواتب، التي تعد الشغل الشاغل لمجلس الأمة والحكومة والعديد من المراقبين منذ نحو 4 سنوات!

وإضافة إلى ذلك فإن آلية حساب التضخم في الكويت غير معروفة، وهناك شك كبير في مدى توافقها مع المعايير العالمية، إذ ثمة مَن يرى أن طريقة حساب التضخم في الكويت مجرد قياس لأسعار بعض السلع، أكثر من كونها قياساً شاملاً لأثر تغير حركة الأسعار على ميزانيات الأسرة، وبالتالي فإن حسابات التضخم إضافة إلى أنها متأخرة فهي أيضا غير دقيقة، ولا تعبر عن مستويات قياس درجة التضخم كما في الدول المتقدمة.

وبالطبع، فإن قراءة البيانات الاقتصادية وتحليلها بشكل سليم سيجنبان متخذ القرار أزمات خدمية واقتصادية، فلو أن الحكومة السابقة كانت تحسن قراءة أرقام مخرجات التعليم العام (وهي موجودة) لما ظهرت لدينا أزمة قبول في التعليم العالي، وكذلك الأمر نفسه مع أزمات الكوادر والرواتب، فلو كان لدينا مؤشر تضخم معتبر وتعامل فني لا سياسي من الحكومة مع هذه المسألة لما ظهرت المزايدات الانتخابية والشعبوية بين النواب على الزيادات والكوادر، وما تبعها من إضرابات.

فمع وجود بنية تحتية دورية وشهرية للبيانات الإحصائية يمكن للحكومة أن تعرف الاحتياجات الحقيقية للقطاع الصحي والطلب الإسكاني والعمالة الوافدة والبطالة، وغير ذلك من البيانات المهمة لأي حكومة، كما ستكون هذه المعلومات مهمة جداً لشركات القطاع الخاص، التي تريد أن تستثمر في هذه القطاعات، خصوصا أن الشركات لا يمكنها أن تعتمد على بيانات قديمة صادرة منذ سنوات، بل تريد معلومات حديثة تعطي تصوراً عن أوضاع السوق بشكل مباشر.

إدارة الإحصاء

إن أي اقتصاد بلا بيانات وأرقام إحصائية حديثة لا يمكن أن يكون اقتصاداً حقيقياً، ولا يمكن لمتخذ القرار فيه أن يتخذ قراراً سليماً يكون مفعوله طويل المدى ويحل أزمة موجودة أو يتلافى حدوثها، لذلك فمن أهم الأمور الواجب على مجلس الوزراء الجديد أن يتابعها هو تعزيز دور الإدارة العامة للإحصاء وتطوير أعمالها وربطها بمؤسسات إحصاء عالمية لتطوير أدائها ولإعطاء بيانات سريعة مبنية على قواعد علمية عن مختلف القطاعات بالدولة، خصوصا في ظل عجز الجهاز الإداري عن توفيرها بشكل سريع ومناسب.

والأهم من ذلك أن يطور مجلس الوزراء أداء اللجنة الاقتصادية التابعة له، ليجعلها مشرفة على الأجهزة والجهات الخاصة بإصدار الأرقام والتقارير، ليتم بعدئذ اتخاذ القرار، فهناك قرارات كثيرة لا تصدر لأن الأرقام غير متوافرة، أو لِنقُلْ إن عدم توافر الأرقام يكون عذراً لمتخذ القرار كي يؤجل إصدار قراراته، وهو أمر يجب أن تتغير معه آليات إصدار القرار في مجلس الوزراء المقبل، إن كان ينوي فعلاً أن يتخذ قرارات صحيحة تسهم في تطوير الوضع الاقتصادي والخدمي.

الكويت اليوم تحتاج إلى قواعد إحصائية كبيرة وشاملة أكبر بكثير من الموجودة حالياً، فنحن نحتاج إلى الإحصائيات والتقارير الأساسية التي تتمثل في التبادل التجاري والناتج القومي وحجم الاقتراض الخارجي، غير أن الأهم هو التركيز على الإحصائيات التي تبين لنا الوضع الاقتصادي بشكل عام، وهل هناك انتعاش اقتصادي أم أن هناك ركوداً.

خدمات بـ 4 مليارات

كذلك، تحتاج الكويت إلى بيانات إحصائية تبين مدى استهلاك الفرد لخدمات الدولة، خصوصا أن هذه الخدمات تشكل ما يصل إلى نحو 4 مليارات دينار من ميزانية الدولة، إضافة إلى معلومات عن دخل الفرد، والتعداد والطبيعة السكانية، وعدد الوافدين، حسب كل جنسية على حدة.

وبالطبع فإن وجود المعلومة والبيانات الإحصائية يجعل السوق في حركة دائمة، كما يجعل المستثمر حاضرا؛ ففي دول العالم التي لديها بنية اقتصادية جيدة نجد الشركات والمستثمرين في متابعة دائمة للبيانات والتقارير بصفة دورية ومستمرة ومنتظمة، وذلك لما فيها من معلومات وأرقام كفيلة بتغيير حياتهم.

ومع ذلك فلا نجد في الكويت، التي تعتبر دولة استهلاكية بدرجة عالية، إحصائيات تبين مدى استهلاك أفرادها لجميع أنواع المواد الاستهلاكية والخدمات، وفي ظل توجهها (حسب إعلان المسؤولين) لتصبح مركزاً مالياً، فإنها بالتالي تحتاج إلى إحصائيات وتقارير تبين حركة التجارة الخارجية والداخلية وحركة القطاعات الصناعية والاستثمارية والعقارية، كي يكون في الأمر درجة من الجدية، إذ لا يمكن أن نكون مركزا تجاريا دون أن تتوافر لدينا على الأقل بيانات حديثة عن التبادل التجاري مع الدول الأخرى.

إن الأرقام والبيانات الإحصائية تعتبر بنية تحتية لأي صانع قرار يبتغي اتخاذ القرار الأسلم والأكثر علمية وحلاً للمشكلات، وبالتالي فإن ضعف انسياب هذه البيانات سيعرقل أي تطور اقتصادي مقبل مهما كانت النوايا والرغبات الإصلاحية صادقة.
 
أعلى