فضل
عضو مميز
تقول احداهن ..،
ما أن مضى يومان على اجتياح الجيش المحتل لبلدى حتى بدأ أزيز الرصاص
يتردد قريبا من مسكننا ..
أزمعنا على أن نؤجل السفر الى فجر الغد سلامة من غوائل الليل ، وأن
نأخذ الطريق الصحراوية تجنبا لنقاط التفتيش المنتشرة عند مفترقات الطرق
كل ما يعلمه أخى عن هذه الطريق وصف مخطوط رسمه لنا ابن عمنا
المولع بالتنزه الصحراوى فى شهرى نوفمبر وديسمبر من كل عام
رحت أجمع فى الاكياس الفارغه ما حوته الثلاجه وما حملته الارفف
وما تبطنته الادراج ..
مع انبجاس النور بدأنا حمل جميع حقائبنا الى سيارة اخى الاكبر
كانت الحقائب متورمة جدا فلم يقدر احدنا رفعها منفردا
تآزرت انا ووالدتى على سحب أخفها ، وتشمر أخواى لحمل الباقى منها
غصت السياره بالحقائب والاكياس ، وتيقنت انها ستصبح اسوأ رفيق !
حين انحدرنا من الطريق السريعه الى الجادة الترابية كانت الشمس تلهب
رؤوسنا بأشعتها المحرقه ..
ترجرجت بنا السياره عمر الساعه تقريبا فى أرض براح توارت فيها ملامح الحياه
الا من انفاسنا ، وبقينا ملتصقين بمقاعدنا نستطلع الوجهة المقصودة
لم نتوقع ان يكون ذاك الشاخص هو جندى من الجيش الغازى
وقف منتصبا وحيدا كشجيرة مرداء تغالب الهلاك
غمرنا الوجل لدى رؤيته .. تماسكنا وقرر أخى مبادرته بالسؤال عن
المدينه الحدوديه قبل ان يبادرنا هو بالسؤال عن وجهتنا وعما نحمله معنا
احتراس اخى من ان نصاب بأذى جعله يبتعد بحيز واسع عن الجندى ما
أجهد الحوار القصير وجعل تلويحات أيديهما بديلا للمجهول المفقود من
الكلمات ..
وبأصبعين أوشكت السيجاره ان تكويهما أشار الجندى الى الاتجاه المقابل
قائلا : هنا .. هنا
حينها شعرت ببرودة السكينه تهبط على صدرى لاننا نسير الى حيث نريد
لا أدرى أى شفقه تحركت بوالدتى لتطلب من أخى الرجوع الى الجندى
لسقيه واطعامه شيئا مما نحمل ؟!
حدق بها اخى مندهشا ولسان حاله يقول : يستحيل ان ارجع
كررت طلبها فاعتذر اخى بابتعادنا عن الجندى مسافة لا تقل عن ربع ساعه
مؤكدا انها نفس المسافه المتبقيه للوصول الى مشارف المدينه الحدوديه
بدأ الالحاح يأخذ منها كل مأخذ فلم يسع اخى الا ان يذعن لها
حين استدارت السيارة قافلة الى حيث يقف الجندى داخلنى شعور غريب
فلأول مرة منذ وعيت على الدنيا أرى طريق عودتى الى الوطن مخيفة
موحشة !
فتحت والدتى زجاج نافذتها وأشارت بيدها الى الجندى ليأتى ويأخذ الكيس
انتزعه خائفا .. فتحه ولمحه ثم هتف بنا : انتظروا .. انتظروا
التف حول السيارة مهرولا نحو باب السائق .. حرر كتفه من حزام سلاحه
الرشاش وطلب من اخى بوجه كالح ونبرة حازمه ان يأكل مما فى الكيس
وهو يردد : تريدون قتلى بطعام مسموم ؟!
اصفر وجه اخى وارتعدت اطرافه ، وبفم جف ريقه قضم قطعة من فطيرة
الجبن وهو يقسم : والله هذا زادنا
استعاد الجندى الكيس واستخرج منها قنينة الماء وفطيرتين اثنتين
اجترع الماء والتهم الفطيرتين
مسح فمه بكمه ثم انتبه الينا والرضا ينضح من محياه
حنى ظهره ليطل على والدتى .. ومن بيننا خصها بشكره وامتنانه
وقبل ان نعاود المسير نبهنا مستفهما : لكن اين انتم ذاهبون ؟!
اسعفت اخى بقية من ثباته فأجابه : الى المدينه الحدوديه
- لكنكم تسلكون الطريق الخاطئه !
- اين الصحيحه اذن ؟
- هناك يسارا .. تسيرون بمحاذاة الابراج الكهربائيه
- وماذا عن الطريق التى أشرت اليها قبل قليل ؟!
- اية طريق ؟! ظننتكم تسألوننى ان كان مسموحا السير فى هذا الاتجاه
ام لا
رمقت والدتى وكلى تعجب مما يجرى فاذا بها ترفع يديها وتتمتم بدعوات
خاشعات سمعت بعضها وغيب نشيج بكائها بعضها الآخر ..
< للأم الرؤوم حاسة لا تخطىء >
ما أن مضى يومان على اجتياح الجيش المحتل لبلدى حتى بدأ أزيز الرصاص
يتردد قريبا من مسكننا ..
أزمعنا على أن نؤجل السفر الى فجر الغد سلامة من غوائل الليل ، وأن
نأخذ الطريق الصحراوية تجنبا لنقاط التفتيش المنتشرة عند مفترقات الطرق
كل ما يعلمه أخى عن هذه الطريق وصف مخطوط رسمه لنا ابن عمنا
المولع بالتنزه الصحراوى فى شهرى نوفمبر وديسمبر من كل عام
رحت أجمع فى الاكياس الفارغه ما حوته الثلاجه وما حملته الارفف
وما تبطنته الادراج ..
مع انبجاس النور بدأنا حمل جميع حقائبنا الى سيارة اخى الاكبر
كانت الحقائب متورمة جدا فلم يقدر احدنا رفعها منفردا
تآزرت انا ووالدتى على سحب أخفها ، وتشمر أخواى لحمل الباقى منها
غصت السياره بالحقائب والاكياس ، وتيقنت انها ستصبح اسوأ رفيق !
حين انحدرنا من الطريق السريعه الى الجادة الترابية كانت الشمس تلهب
رؤوسنا بأشعتها المحرقه ..
ترجرجت بنا السياره عمر الساعه تقريبا فى أرض براح توارت فيها ملامح الحياه
الا من انفاسنا ، وبقينا ملتصقين بمقاعدنا نستطلع الوجهة المقصودة
لم نتوقع ان يكون ذاك الشاخص هو جندى من الجيش الغازى
وقف منتصبا وحيدا كشجيرة مرداء تغالب الهلاك
غمرنا الوجل لدى رؤيته .. تماسكنا وقرر أخى مبادرته بالسؤال عن
المدينه الحدوديه قبل ان يبادرنا هو بالسؤال عن وجهتنا وعما نحمله معنا
احتراس اخى من ان نصاب بأذى جعله يبتعد بحيز واسع عن الجندى ما
أجهد الحوار القصير وجعل تلويحات أيديهما بديلا للمجهول المفقود من
الكلمات ..
وبأصبعين أوشكت السيجاره ان تكويهما أشار الجندى الى الاتجاه المقابل
قائلا : هنا .. هنا
حينها شعرت ببرودة السكينه تهبط على صدرى لاننا نسير الى حيث نريد
لا أدرى أى شفقه تحركت بوالدتى لتطلب من أخى الرجوع الى الجندى
لسقيه واطعامه شيئا مما نحمل ؟!
حدق بها اخى مندهشا ولسان حاله يقول : يستحيل ان ارجع
كررت طلبها فاعتذر اخى بابتعادنا عن الجندى مسافة لا تقل عن ربع ساعه
مؤكدا انها نفس المسافه المتبقيه للوصول الى مشارف المدينه الحدوديه
بدأ الالحاح يأخذ منها كل مأخذ فلم يسع اخى الا ان يذعن لها
حين استدارت السيارة قافلة الى حيث يقف الجندى داخلنى شعور غريب
فلأول مرة منذ وعيت على الدنيا أرى طريق عودتى الى الوطن مخيفة
موحشة !
فتحت والدتى زجاج نافذتها وأشارت بيدها الى الجندى ليأتى ويأخذ الكيس
انتزعه خائفا .. فتحه ولمحه ثم هتف بنا : انتظروا .. انتظروا
التف حول السيارة مهرولا نحو باب السائق .. حرر كتفه من حزام سلاحه
الرشاش وطلب من اخى بوجه كالح ونبرة حازمه ان يأكل مما فى الكيس
وهو يردد : تريدون قتلى بطعام مسموم ؟!
اصفر وجه اخى وارتعدت اطرافه ، وبفم جف ريقه قضم قطعة من فطيرة
الجبن وهو يقسم : والله هذا زادنا
استعاد الجندى الكيس واستخرج منها قنينة الماء وفطيرتين اثنتين
اجترع الماء والتهم الفطيرتين
مسح فمه بكمه ثم انتبه الينا والرضا ينضح من محياه
حنى ظهره ليطل على والدتى .. ومن بيننا خصها بشكره وامتنانه
وقبل ان نعاود المسير نبهنا مستفهما : لكن اين انتم ذاهبون ؟!
اسعفت اخى بقية من ثباته فأجابه : الى المدينه الحدوديه
- لكنكم تسلكون الطريق الخاطئه !
- اين الصحيحه اذن ؟
- هناك يسارا .. تسيرون بمحاذاة الابراج الكهربائيه
- وماذا عن الطريق التى أشرت اليها قبل قليل ؟!
- اية طريق ؟! ظننتكم تسألوننى ان كان مسموحا السير فى هذا الاتجاه
ام لا
رمقت والدتى وكلى تعجب مما يجرى فاذا بها ترفع يديها وتتمتم بدعوات
خاشعات سمعت بعضها وغيب نشيج بكائها بعضها الآخر ..
< للأم الرؤوم حاسة لا تخطىء >