قصة ذي القرنين بشكل موسع وممتع

zinger

عضو نشط
التسجيل
22 يونيو 2009
المشاركات
2,276
قصة ذي القرنين

المقدّمة


* تعتبر قصة ذي القرنين من القصص القرآنية السهلة الممتنعة، فبقدر ما بها من كلمات مباشرة تصف الأماكن التي وردت بالقصة، بقدر ما بها من صعوبة تظهر عند محاولة فهم وتدبر الآيات، وتتبع بداية ونهاية رحلة ذي القرنين. وبما أن القرآن هو معجزة الإسلام الخالدة، فلا بد أن تكون هذه القصة ليست مجرد قصة تروى، لكنها قصة حافلة بالاعجاز المتميز. والإعجاز في هذه الآيات ليس اعجازاً علمياً فقط، بل انها تحمل ثلاثة مظاهر للإعجاز، أولها: الإعجاز العلمي الذي هو محور هذه الدراسة، وهو لا يقوم على علم واحد فقط، بل يقوم على عدد من العلوم مجتمعة، تبدأ بالاعجاز في علوم الأرض التي تتضمن الجيولوجيا والجيموفولوجيا والجغرافيا، وتنتهي إلى الصناعة والتعدين والهندسة، بالإضافة إلى علوم الآثار والتاريخ والانثروبولوجيا واللغة. أما مظهر الإعجاز الثاني: فهو - ان صحت استنتاجات هذا البحث - أن هذه الآيات هي الوحيدة -حتى الآن- التي تقول شيئا عن العالم الجديد، الذي لم يكن مكتشفا ولا معروفا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. والعالم الجديد -كما هو معروف- هو الأمريكيتان (أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية) واستراليا، أما العالم القديم فهو آسيا وأفريقيا وأوروبا. أما وجه الاعجاز الثالث: فهو في الخبر، حيث يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين الذي لم يكن معروفا الا عند اليهود، فهذه القصة غير معروفة لدى الناس في شبه الجزيرة العربية، لذلك حين سأل كفار مكة اليهود عن شيء يعجزون به النبي صلى الله عليه وسلم، اقترحوا عليهم سؤاله عن الروح وعن فتية الكهف وعن ذي القرنين، وهي قصص لم تكن معروفة إلا في التوراة، وكان ذلك سبب نزول سورة الكهف، كما هو موضح في كتب التفسير (أنظر تفسير أبي جعفر الطبري، أبي القاسم الخوارزمي، وابن كثير، والقنوجي). بالرغم من أن هذه الدراسة اتفقت في بعض أوجهه التحليل مع كتب التفسير، الا أنها اختلفت عن دراسات سابقه حول قصة ذي القرنين من وجوه عدة، الاختلاف الأول: في أن هذه الدراسة لا تعتبر قصة ذي القرنين من القصص الخاصة بعلامات يوم القيامة، بل تصنفها ضمن آيات الإعجاز العلمي. الاختلاف الثاني: هذه الدراسة لن تعتد إطلاقا بما كتب في تلك الدراسات حول بداية رحلة ذي القرنين المقدمة بها، أما الاختلاف الثالث: فهو أنها لن تتطرق للشخصيات التي خمنها الكتاب بأنها هي لذي القرنين كالإسكندر الأكبر، وشمس بن عمرو بن أفريقيس وقورش الأخميني (عبد العليم عبد الرحمن خضر، 1981)، وذلك لأنها شخصيات تنطبق على ذي القرنين من ناحية الملك فقط وليس العلم، وجميعها حدثت بعد ظهور اليهودية، بل أن بعضها حدث بعد المسيحية، ويجدر بالقصة التي قد تحكي شيئا عن ذي القرنين أن تكون قد حدثت قبل نزول التوراة، كقصة واردة به. وعلى أي حال لن تقترح هذه الدراسة أو تخمن أي شخصية أخرى، فالهدف من هذه القصة ليس شخص ذي القرنين لكن الهدف منها معرفة الأماكن والبيئات الجغرافية التي مر بها.


أهداف وأهمية هذه الدراسة


* تهدف هذه الدراسة إلى توظيف حقائق علوم الأرض والعلوم الأخرى لتتبع قصة ذي القرنين، في محاولة لتدبرها وفقا لتلك الحقائق، فتدبر آيات هذه القصة بالذات يحتاج إلى عدد من العلوم مجتمعة مثل علوم الأرض، ومنها بالتحديد الجيومورفولوجيا والجيولوجيا لمعرفة طبيعة العين الحمئة وأماكن تواجدها، والجغرافيا لمعرفة أسباب اختلاف وتوزيع طول الليل والنهار، والمعادن والتعدين والهندسة لمعرفة دقة المراحل التي تم بها بناء الردم والمواد التي أستخدمت به، وعلوم الآثار والتاريخ والانثربولوجيا لتتبع الآثار والحضارات البشرية في كل من المكسيك وسيبيريا وجبال القوقاز، وعلوم اللغة لتدبر قصة قوم بين السدين. وكثرة العلوم التي تحتاجها هذه الدراسة بذاتها دلاله على غزارة العلم الذي مكن منه الله سبحانه وتعالى صاحبها. وتكمن أهمية هذه الدراسة في أنها الأولى من نوعها التي تتدبر الآيات القرآنية على هذا النحو، فإن الدراسات التي تهتم بالاعجاز العلمي في القرآن تأتي عادة بالنظرية العلمية وتنسبها إلى الآيات القرآنية التي تدور حول الموضوع نفسه، لكن هذه الدراسة تحاول فهم الآيات القرآنية الكريمة، وفقا للحقائق العلمية المثبتة، وحسب الطرق العلمية الحديثة المتبعة. وما تسعى إليه هذه الدراسة هو إثبات الإعجاز القرآني الذي لا يحكمه زمان ولا مكان، فلقد ابتعد العلماء من الديانات الأخرى عن محاولة إيجاد تفاسير علمية لما جاء في كتبهم، وذلك ليتجنبوا أي تداخل وتضارب بين الآراء الدينية والآراء العلمية، لكن أن يثبت بالعلم ما جاء في كتاب سماوي إنما هو نصر لهذا الدين وهذا الكتاب. ولو صحت هذه الدراسة فإنها ستفتح آفاقاًًًً جديدة في علوم الآثار والانثربولوجيا، فهنا تقترح هذه الدراسة أن ذي القرنين قد بدأ رحلته من العالم الجديد (الأمريكتين) الى العالم القديم (شرق آسيا)، وهو عكس ما يتدوال من اكتشاف سكان العالم القديم للعالم الجديد (رحلات كولومبوس وماجلان حول الكرة الارضية). والمثبت في الوقت الحاضر أن سكان العالم الجديد كانوا في عزله عن العالم القديم، لكن هذه الدراسة تحاول أن تثبت أن هنالك اتصالاً متبادلاً وقديماً بين العالمين قد تم وفقا لما جاء في الآيات القرآنية، فالآيات القرآنية رسالة واضحة تبين رحلة ذي القرنين من الغرب (العالم الجديد) الى الشرق (العالم القديم)، لكن قصته لم تكتمل لتبين إن كان ذو القرنين قد عاد إلى وطنه في العالم الجديد أم لا، فذلك مهم لفهم ان كان ذي القرنين قد نقل لقومه ما رآه من حضارات في العالم القديم مثل الأهرامات، والحضارات الهندية وغيرها إلى بلاده، أم أن العكس كان صحيحا أنه نقل حضارة بلاده لتلك البلاد، فهناك بعض التشابه الواضح بين حضارة المايا في العالم الجديد والحضارات الهندية والمصرية القديمة في العالم القديم. وان كان لم يثبت ان ذي القرنين لم يعد إلى بلاده فلابد أن يكون هناك مغامرون وعلماء آخرون قد انتقلوا من العالم الجديد إلى العالم القديم ثم عادوا. أو مغامرون انتقلوا من العالم القديم إلى العالم الجديد متبعين الطريق نفسه الذي اتبعه ذو القرنين في زيارته لعالمنا القديم.


نص الآيات الكريمة


* "ويسئلونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا(83) انا مكنا له في الأرض وأتيناه من كل شيئ سببا(84) فأتبع سببا (85) حتى اذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين اما أن تعذب وأما أن تتخذ فيهم حسنا (86) قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد الى ربه فيعذبه عذابا نكرا (87) وأما من ءامن وعمل عملا صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا (88) ثم أتبع سببا (89) حتى اذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا (90) كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا (91) فاتبع سببا (92) حتى اذا بلغ بين السدين وجد من دونها قوما لا يكادون يفقهون قولا (93) قالوا ياذا القرنين أن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا (94) قال ما مكني فيه ربي خيرا فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما (95) اتوني زبر الحديد حتى اذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى اذا جعله نارا قال اتوني أفرغ عليه قطرا (96) فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا (97) قال هذا رحمة من ربي فاذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا(98)" صدق الله العظيم


الفرضية والحقائق العلمي الفرضية


* تفترض هذه الدراسة أن قصة ذي القرنين حدثت في فترة ما قبل أربعة آلاف سنة على الأقل، أي قبل نزول الديانة اليهودية. وأنه من سكان العالم الجديد قام برحلته الى العالم القديم، وهو شخص من البشر غير خارق لكنه قوي البنية، بمعنى أن له أحسن ما لدى بشر من القوة البدنية، التي مكنته من السير لمسافات طويلة تحسب بآلاف الأميال، وأنه كان شخص فائق العلم والثراء، لكنه ليس له كرامات تجعله خارقا، ولا يوجد في الآيات الكريمة ما يوحي بأنه كان خارقا، ولو كان كذلك لذكرت خوارقة كما ذكرت بالنسبة لسيدنا سليمان، حتى أن بعض كتب التفسير استنكرت أن يكون خارقا ورحجت أن تكون بعض الأحاديث النبوية عنه أحاديث موضوعة (انظر تفسير ابن كثير). وترجح هذه الدراسة بأن رحلته كانت بالبر عن طريق مضيق برنج الذي يفصل بين شمال غرب أمريكا الشمالية وشمال شرق آسيا ، وهو يكون يابس في الفترات الجليدة لأن مستوى سطح البحر يكون منخفضا، وهذا ما قد حصل في ذلك التاريخ بين 4 و6 آلاف سنة ، وأنه انطلق في هذه الرحلة فوق ما يركب في ذلك الزمان من أحصنه وغيرها، مما قد يعني أن رحلته تلك استغرقت وقتا طويلا جدا من الزمن يعد بالسنوات. وتعتقد هذه الدراسة أنه من مكان ما في شرق الأمريكتين (العالم الجديد)، حيث انطلق في رحتله التي وردت في القرآن الكريم الى غرب العالم الجديد، وهو ليس غرب العالم الجديد فقط بل هو غرب العالم ككل، بما فيها مكة موضع نزول الآيات الكريمة، والدليل على هذا هو وجود العين الحمئة في غرب العالم الجديد وعدم وجودها غرب العالم القديم. ثم أكمل طريقه بنفس الاتجاه، ليصل الى شرق العالم، الذي تفترض هذه الدراسة أن يكون في شمال شرق آسيا (سيبيريا)، حيث وجد القوم الذين لم ليس بينهم وبين الشمس سترا، وعدم وجود الساتر عن الشمس تفترض هذه الدراسة أن يكون شروق الشمس الدائم في فصل الصيف. ثم يواصل سيره فيصل الى "قوم بين السدين" الذين تعتقد هذه الدراسة بأنهم كانوا يعيشون في شمال جبال القوقاز، وأن يأجوج ومأجوج كانوا يغيرون عليهم من جنوبها، وأن يأجوج ومأجوج بشر أكثر قوة وتحضرا من قوم بين السدين، لذلك كانوا يغيرون عليهم بين الحين والآخر، فكما هو معروف حتى الوقت الحاضر أن البشر الأكثر تحضرا وقوة يغيرون على أولئك الأقل حظا في القوة والحضارة. لذلك طلبوا من ذي القرنين أن يبني لهم سد، ربما لما لمسوه فيه من علم وتحضر، وأن السد الذي طلبوه سد محسوس، وليس مجرد وسيلة لحجبهم عنهم، وذلك بدليل بناء ذي القرنين للردم. والردم الذي بناه لهم هو ما يعرف اليوم بسد "دربند" الموجود في جبال القوقاز في الوقت الحاضر، وهذا هو نفس الردم الذي رجحته كتب التفسير، وهو موجود على امتداد خط السير الذي تعتقد هذه الدراسة أن ذي القرنين اتخذه. وفي الواقع ليس مؤكد –حتى الآن- أن كان ردم "دربند" هو ردم ذي القرنين أم لا. لكن لأن صفات هذا الردم تشبة الى حد كبير صفات الردم الذي ذكر في الآيات الكريمة، ولأنه يقع على نفس امتداد رحلة ذي القرنين ولا يتعارض مع سيرها. ولأن المناطق التي تقع الى الشمال من جبال القوقاز لم تتعرض لأي غزوات أو فتوحات خلال التاريخ القديم، وكأنها محمية من أي غزوات، قد يرجح أن يكون هذا هو الردم.
الحقيقة العلمية الأولى
تقوم الحقيقة العلمية الأولى على نقطتين، الأولى تعريف العين الحمئة وأسباب تكونها ومناطق تواجدها. والنقطة الثانية تقوم على التعرف على الحضارة المتواجدة في تلك المنطقة التي قد ينسب إليها ذو القرنين، الرجل الواسع الملك والعلم والمعرفة الذي لا بد أن ينتمي الى حضارة متفوقة. تظهر العيون الحمئة geyser أو ما يعرف بالينابيع الحارة بشكلين، أما أنها تكون على شكل نوافير طبيعية (محمد عاشور، 1997)، وأما أنها على شكل نبع أوعين تخرج منه مياه حارة طينية تختلط بها بعض الغازات، وتنتشر هاتين الظاهرتين في المناطق البركانية، أو المناطق التي كانت بركانية، كما في غرب الأمريكتين ونيوزلندة وايسلنده. وتنتشر في ذات المنطقة محط الدراسة هنا بحيرات تتراوح مساحتها بين 53 و3500 ميل، ويوجد بها آثار من حضارة المايا، وقد تخرج البراكين من بعض هذه البحيرات، مثل بحيرة أتيتلان Atitlan في جواتيمالا التي يخرج منها بركانان (Rivers and lakes encyclopaedia, 1965)، فان لم تكن الشمس تغرب في حقل جاف من العيون الحمئة، قد تكون كانت تغرب في أحد تلك البحيرات التي تنبع فيها عيون حمئة. وتنشأ البراكين في ثلاثة مواقع، فمنها ما ينشأ فوق النقاط البركانية الحارة Hot spots كما هو الشأن في براكين جزر هاواي، ومنها ما ينشأ عند مناطق انشقاق المحيط كتلك الموجودة في وسط المحيطات، وهي تتكون تحت مستوى سطح البحر، أما النوع الثالث وهو النوع الأكثر انتشارا على اليابس، وهو يمثل حلقة النار حول المحيط الهادي، فهو الذي ينشأ نتيجة لاصطدام ألواح قشرة المحيط بألواح القشرة الأرضية (and Strahler, 1992 Strahler)، ولأن ألواح قشرة المحيط تكون أكثر كثافة فأنها تندس تحت ألواح القشرة الأرضية الأقل كثافة (انظر شكل 1)، ويؤدي الاحتكاك بين ألواح القشرتين إلى ذوبان صخور قشرة المحيط وتكون صهير اللافا الذي يشق طريقة عبر صخور قشرة اليابس، ليصل إلي السطح مكونا البراكين عند التقاء الألواح، لذلك تكون المناطق البركانية فيها واسعة الانتشار، وليس مجرد فوهات بركانية متباعدة كالتي تتكون فوق النقاط البركانية الحارة، وفي هذه الحقول البركانية غالبا ما تكون الفوهات البركانية عند الأطراف الخارجية للمناطق الجبلية الناتجة عن تصادم الألواح ، وهذا النوع من البراكين منتشر حول حواف المحيط الهادي، أي في غرب الأمريكتين (العالم الجديد) وشرق آسيا (العالم القديم)، لكن لا توجد أي براكين من الأنواع الثلاثة السابقة الذكر في غرب العالم القديم. وبالرغم من أن التقاء الألواح القارية بالألواح المحيطية يحدث حول المحيط الهادي بأكمله، إلا أن البراكين التي تتكون في شرق المحيط الهادي (جبال الأنديز) هي التي ينطبق عليها غرب العالم، أو مغرب الشمس، أما تلك التي في غربه فهي في شرق العالم أي في مشرق الشمس، بالإضافة إلي أن البراكين التي تتكون في شرق آسيا تتكون فوق جزر، وهي أجزاء منفصلة عن قارة آسيا نتيجة لانشقاق المحيط في ذلك الجزء من العالم ، وكذلك هو الحال بالنسبة للبراكين التي توجد في جزر هاواي البعيدة عن أي يابس، فسير ذي القرنين كان بالبر وليس البحر وذلك وفق الآيات الكريمة (اتبع سببا)، حيث لا يمكن رسم طريق على الماء، لكن يمكن ذلك على اليابس، وربما آثار ذلك الطريق موجودة حتى الآن، لكن الإبحار عبر المحيط الهادي في تلك الفترة لا يوجد ما يؤيده، بل أن انعزال البشر الذين عاشوا في جزره يبين انعدام المسارات البحرية في ذلك الوقت من التاريخ. كما أن لفظ سبب هنا لا يعني بأنه قد هيأت له الاسباب للرحلة، لأنه اتبع ذلك السبب أي أنه اتبع ذلك الطريق، حتى وصل الى مغرب الشمس وكذلك حتى وصل الى مشرقها. وعلى هذا الأساس لابد أن تكون العين الحمئة الواردة الذكر في الآيات الكريمة موجودة في غرب الأمريكيتين وفقا للحقائق السابقة الذكر. أضف إلى ذلك انه لا يوجد براكين في غرب العالم القديم، بالرغم من وجودها على جزر المحيط الاطلسي، وكما سبق القول أن سير ذي القرنين كان بالبر وليس بالبحر، فحتى عصر الكشوفات الجغرافية لم تكن هناك سفن تعبر المحيطات، وهذا لا ينفي الرحلات البحرية، لكنها كانت في البحار القريبة من يابس القارات، وليس رحلات تخترق المحيطات من طرف الى آخر كما هو منذ بعد الكشوفات الجغرافية. وبعد بيان مكان العين الحمئة لا بد من توضيح الحضارات المصاحبة لها في ذلك المكان، وذلك لأهميتها عند الحديث عن ذي القرنين الذي كان واسع الملك والعلم، ولم يكن ذلك لشخص يعيش حياة بدائية. بدأت الحياة البشرية في العالم الجديد منذ 30 ألف سنه، وفقا للدراسات الأنثروبولوجية، ويعتقد العلماء أن سكان الأمريكيتين كانوا قد انتقلوا إليها عبر طريق مضيق برنج Bering ، وذلك في فترة كانت معظم الأرض مغطاة بالجليد، لأن تغطية الأرض بالجليد يقلل من منسوب مياه البحر، وبالتالي يسهل عملية التنقل البري للأنسان(Oxford Illustrated Encyclopedia,1993, p256). ولقد تعرضت الأرض لعدد من الفترات الجليدية خلال تاريخها الجيولوجي، كما أنها تعرضت لفترات جليدية خلال الـ 200 ألف سنه الماضية. فخلال الفترات الجليدية يقل مستوى سطح البحر، حيث تتجمد معظم مياه البحار والمحيطات وتتمركز عند القطبين ، مما يؤدي إلى زيادة مساحات اليابس (Selby, 1984) ، والتحام الجزر ببعضها البعض مكونة يابسا متصلا، كما يؤدي الى جفاف بعض البحار والمضائق، وهذا ما قد يكون حدث قبل 30 ألف سنة، لأنها الفترة التي كانت أكثر تجمدا، لذلك تدعى بالفترة الجليدية العظمى Maximum Glaciations. وبعد أن وصل الانسان الى العالم الجديد، بدأ في الانتشار في أمريكا الشمالية ليصل جنوبا إلى أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية واستقر الانسان هناك قبل حوالي 11 ألف عام، (www.annaharonline.com, www.adabwafan.com, www.alBayanNewspaper.com)، وظهرت أول الحضارات قبل حوالي 5000 سنه، ومن تلك الحضارات الأولمك Olmec على ساحل خليج المكسيك، والمايا في شبه جزيرة اليوكتان Yucatan، وتبعتها حضارات أخرى عديدة كان آخرها حضارة الأزتك Aztec التي انتهت بعد الغزو والاحتلال الأسباني. وكان بين تلك الحضارات وأثناءها محلات بشرية متناثرة في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، لكن الحضارات التي قامت في امريكا الوسطى كانت ذات أهمية بالغة حين الكتابة عن تاريخ العالم الجديد، وذلك لمدى التفوق الفكري والفلكي والرياضي والهندسي الذي وصلت اليه تلك الحضارات. وتعتبر حضارة المايا Maya التي انبثقت من شبه جزيرة اليوكتان Yucatanمن أهم تلك الحضارات وأقدمها، وتقع شبه جزيرة يوكتان في شرق المكسيك في أمريكا الوسطى، وكانت تدعى تلك المنطقة بأرض ديك الحبش والدببة وذلك لفقدانها مما يؤكل، ومن تلك المنطقة القاحلة انتشرت حضارة المايا أو ربما اكتسحت الأراضي التي تحيط بها ، متضمنة كل من المكسيك، بيرو، جواتيمالا، البرازيل، هندوراس، والسلفادور www.Civilation.ca))، وتدل الآثار التي تركتها الحضارات في أمريكا الوسطى على أنها قامت على عقيدة دينية عميقة الجذور، التي حملت على بناء الأهرامات الباقية آثارها حتى الآن في المكسيك، ويعتقد أن هذه الأهرامات أقيمت لعبادة أحد الآلهة، وهي ليست مقابر للملوك كما في مصر القديمة، وتوجد أهرامات أقدم منها في يوكتان (www.Islamonline.net). وتعود حضارة المايا إلى عام 3000 قبل الميلاد (www.Civilization.ca)، ولها لغة مكتوبة هي اللغة الهيروغليفية، واللغة الهيروغليفية Hieroglyphic هي استخدام الصور والأشكال للكتابة، واخترعت هذه اللغة منذ حوالي 3000 سنة قبل الميلاد، وكانت هذه اللغة غالبا ما تستخدم للأغراض الدينية، وينسب هذا المسمى "الهيروغليفي" الى اللغة المكتوبة في مصر القديمة، وبعد ذلك صارت تنسب الى كل لغة "قديمة" مكتوبة تستخدم الصور، مثل اللغات القديمة المشابه لها في أوروبا والأناضول بما فيها لغة المايا في العالم الجديد، وجميع هذه اللغات تعود لنفس الفترة الزمنية أي لحوالي 3000 سنة قبل الميلاد(Oxford Illustrated Encyclopedia,1993, p165). والفرضية هنا لا تحاول الجزم بأن ذا القرنين كان ينتمي لحضارة المايا، لكن حضارة المايا مهمة حين الحديث عن شخصية واسعة العلم كذي القرنين، وافتراض أنه كان من سكان العالم الجديد، والخوض فيها هنا لأنها أقوى الحضارات الموجودة في الأمريكيتين في تلك الفترة. وبما أن حضارة المايا نشأت في شبه جزيرة اليوكتان ثم توسعت في كل الاتجاهات ومنها جهة الغرب، فهذا يرجح أن تكون هناك صلة بين هذه الحضارة وذي القرنين، ولكن لا يجزم بذلك في هذه المرحلة، لأن مثل هذا الجزم يحتاج إلي متخصصين في الآثار والتاريخ المكسيكي، والحديث هنا عن علوم الأرض فقط متمثل في العين الحمئة، مع وضع احتمال أن تكون تلك الحضارة المصاحبة لها هي حضارة المايا، وذلك وفقا للتاريخ والمكان اللذين ترجح هذه الدراسة حدوث قصة ذي القرنين خلالهما. وعلى افتراض أن ما تقدمت به هذه الفرضية كان صحيحا، فـإن ذا القرنين قد يكون أحد ملوك أو أمراء أو قادة حضارة المايا (منذ حوالي 5000 سنة)، التي ظهرت في شبة جزيرة يوكتان بشرق المكسيك في أمريكا الوسطى، وتوسع هذا القائد أو الملك في فتوحاته غربا، حيث وجد العين الحمئة. فالعيون الحمئة توجد في المناطق البركانية وعين ذي القرنين الحمئة موجودة في غرب العالم المليء بالعيون الحمئة كما في الآيات الكريمة. بالإضافة إلي أن تلك العيون الحمئة قد تنشأ في بحيرات، ومن المثير للدهشة إن تكون تلك المناطق البركانية مليئة بالبحيرات التي يكون وسطها أحيانا عيون حمئة وأحيانا أخرى براكين، وبما أن البحيرات أوسع من العيون، والجبال غالبا ما تحيط بتلك البحيرات فان هذا قد يفسر غروب الشمس في تلك البحيرات ذات البراكين أو العيون الحمئة. ثم يصل ذو القرنين إلى شرق العالم، ووصول ذي القرنين إلى شرق العالم بعد بلوغه غرب العالم لا يؤثر في الافتراض الأول، بل هو يدعمه، فلو استمر ذو القرنين في رحلته شمال غرب ملتزما بحدود اليابس الأمريكي، فانه حتما سوف يصل إلى شرق العالم عبر مضيق برنج Bering ، مع ملاحظة انه في هذه الفترة كان مستوى البحر منخفضا أيضا وفقا للدراسات الجيومورفولوجية والساحلية (1961 Fairbridge,). والسير في اتجاه واحد أكثر منطقية عن السير في اتجاهات متعددة، في زمن كانت وسائل النقل فيه بطيئة. فلو سلمنا بفرضية أن يكون ذو القرنين من سكان العالم القديم، هنا يطرح سؤال عن المكان الذي بدأ منه ليتجه غربا، ولو سلمنا ببداية رحلته من مكان ما في وسط العالم القديم، فأنه سوف يتجه غربا ثم شرقا أي أنه سوف يغير وجهته، أو أنه سوف يمشي في طرق كان قد مشى فيها سابقا أو طرقا موازية لها ، لكن لأنه كان في غرب العالم فلو ظل يسير بنفس الاتجاه فسوف يصل إلي شرق العالم. وهذا لا يتعارض مع ما ورد في الآيات الكريمة.
الحقيقة العلمية الثانية
لو وصل ذي القرنين الى شرق العالم قادما من الغرب فأنه سوف يصل الى سيبيريا، وفي سيبريا نأتي الى الحقيقة العلمية الثانية، وهي حقيقة شروق الشمس الدائم، وذلك وفقا للآيه الكريمة عند القوم الذين ليس بينهم وبين الشمس ستر. حيث يختلف طول الليل والنهار وفقا لتعامد أشعة الشمس على دوائر العرض في فصلي الصيف والشتاء، ففي الصيف الشمالي حين تكون الشمس متعامدة على مدار السرطان تزيد ساعات النهار، فتكون ساعات شروق الشمس 12 ساعة عند خط الاستواء، وتظل تزيد لتصل إلي 18 ساعة و27 دقيقة عند دائرة عرض 60، وشهرين عند الدائرة القطبية (66,33 شمالا)، وتكون نهارا لمدة ستة أشهر كاملة عند نقطة القطب . أما في الشتاء حين تتعامد الشمس على مدار الجدي، فتقل ساعات النهار تلك لتصل إلى ليل دائم عند الدائرة القطبية لمدة شهرين (Moran and Morgan, 1997 ). وأول منطقة تشرق عليها الشمس في العالم هي دزهنيفا Dezhneva وتتبعها انادايرسكي Anadyrsky في أقصى شمال شرق آسيا (سيبريا). وتقع دزهنيفا على الدائرة القطبية تماما، وتقع الاثنتان ضمن صحراء سيبريا الجليدية.
ولفظ سيبريا مشتق من شبه جملة تترية تعني الأرض النائمة، وذلك نسبة إلى أنها صحراء جليدية لا حياة فيها، وتغطي سيبيريا مساحات شاسعة من شمال ووسط وشرق آسيا. وهي تمتد من جبال أورال غربا إلى المحيط الهادي شرقا، ومن المحيط المتجمد الشمالي شمالا إلى منغوليا والصين جنوبا. ويقع حوالي ثلث مساحتها ضمن الدائرة القطبية. والمظهر الغالب على سطحها هو السهول، فهي عبارة عن منطقة سهلية منبسطة، تشغل السهول الفيضية لنهري أوب ob وينسيYenisei اللذين ينحدران من الجبال التي تحد سيبيريا من جهة الجنوب، وهي تتدرج من سهول منبسطة خالية من الأشجار Steppe إلى مناطق سهلية سبخية ساحلية، وتقع في وسط سيبريا هضبة بارتفاع 1000م، وهي هضبة مموجة بالرغم من وجود بعض المناطق المنبسطة فيها. أما في شرق سيبريا فيوجد جبال بركانية. وتقع دزهنيفا على السواحل الشرقية لسيبيريا، وهي منطقة سهلية تبدأ بالارتفاع التدريجي لتكون هضبة . ويسود سيبيريا المناخ القاري الدافئ والجاف في الصيف، والبارد القارص في الشتاء. ويسكن سيبيريا قبائل الإسكيمو. والإسكيمو هم سكان المناطق الجليدية مثل سيبرياSiberia والجرين لاندGreen Land وألاسكا Alaska، أو بمعنى آخر هم سكان القطب الشمالي، وهم يقطنون هذه المناطق منذ الأزل، وعلى الرغم من أن منهم من رحل الى العالم الجديد واستعمره قبل الكشوفات الجغرافية، الا أن نمط حياة قبائل الأسكيمو لم يتغيير الا في القرن العشرين. وتنقسم قبائل الاسكيمو إلى نوعين انيوت Inuit ولآب Lapp، الانيوت الذين يعيشون في الجانب الغربي من القطب الشمالي واللاب الذين يعيشون في الجانب الشرقي، وتنقسم لغة الإسكيمو إلى فرعين" يبك" Yupik وهي اللغة المتحدث بها في سيبريا وألسكا Alaska، وانيوت Inuit وهي اللغة المتحدث بها في كندا والجرين لاند Green Land (Oxford Illustrated Encyclopedia, 1993)، واللغة الواحدة التي يتحدث بها سكان الإسكيمو في سيبريا وألسكا تدعم فرضية التبادل المعيشي بين هاتين الجماعتين منذ هجرتهما الى تلك المناطق حتى وقتنا الحاضر، كما قد تعني أن اللغة لم تتطور في أي منهما لأنهما عبارة عن جماعات رحل منعزلة. والإسكيمو جماعات رحل يجتمعون في الشتاء كعائلات يصل عدد أفرادها إلى 100 فرد، ويتفرقون في الصيف. وتعتبر الأسرة هي المؤسسة الاجتماعية الرئيسية لهذه الجماعات. وتعمل جماعات الاسكيمو في الرعي والصيد، والتبادل التجاري مع قبائل الإسكيمو الأخرى. وهم يدينون بديانة الشمنزم Shamanism، لكن الآن معظمهم يدينون بالمسيحية. والشمنزم نوع من الديانات التي تركز على أفراد معينين يعرفون بالشمان، ويكون هؤلاء الأفراد قادرين على التصرف بين طبيعة البشر والطبيعة الخارقة (سحر وشعوذه). ويعيش الاسكيمو في العراء، حتى بيوت الاقلو Igloo أو بيوت الثلج لم تكن منتشرة بشكل كبيرة عندهم، بالرغم من وجودها ومعرفتهم بها، أما الآن فهم يعيشون في قرى صغيرة وفي شقق (Oxford Illustrated Encyclopedia, 1993).
وعلى هذا الأساس وفي الحالتين تعتقد هذه الدراسة أن ثاني قوم أجتمع بهم ذي القرنين كانوا في شمال شرق سيبيريا، وأن أولئك القوم هم جماعة من الإسكيمو أو أسلافهم بمعنى أدق. فتلك المنطقة تسطع عليها الشمس في فصل الصيف لحوالي شهرين، ويتميز سطحها بالاستواء في المناطق السهلية وشبه الاستواء في المناطق الهضبية، وفقا للآيات الكريمة بأنه ليس بينهم بين الشمس سترا، فذلك مزدوج بسطوع الشمس الدائم في فصل الصيف، وعدم وجود منازل لتلك القبائل ولا حتى كهوف فهي مناطق هضبية وسهلية ليس بها كهوف. ولا يمكن أن يكون أولئك القوم من أي مكان آخر من العالم كالمناطق الصحراوية مثل ما ذكرت بعض المراجع، لأن الناس هناك ليسوا عراة، حيث عللت تلك الدراسات عدم سترهم من الشمس بعريهم لأن درجات الحرارة مرتفعة عندهم، فهم على العكس تماما، ففي المناطق الصحراوية يرتدي الناس الكثير من الثياب حتى لا يصابوا بالجفاف، أنظر مثلا الى الملابس التقليدية وخصوصا العمامة للسكان في باكستان وبلوخستان والسودان وموريتانيا. كما أنهم ليسوا من المناطق الممطرة الحارة التي قد يتعرى السكان فيها، فلو كان ذاك، سوف تنفى حقيقة سطوع الشمس لأنها ستكون مغطاة بالغيوم الدائمة صيف وشتاء، مثل ما في الدول التي تقع على خط الاستواء مثل ماليزيا تايلند وغيرهما، كما أن بهما الليل والنهار متساويان الساعات تقريبا على مدار العام. ولا يمكن ان يكونوا من سكان أمريكا الشمالية، لأن ذا القرنين –وفقا لهذه الدراسة- كان يتحرك منها متجها غربا، وأثناء رحلة ذي القرنين بالاتجاه الشمالي الغربي، كانت الشمس أيضا تتحرك من منطقة خط الأستواء الى المنطقة القطبية الشمالية، وفي ذات الوقت الذي وصل فيه ذي القرنين الى المنطقة القطبية الشمالية، وصلت الشمس الى موقعها المتعامد على النقطة القطبية مما يجعلها تشرق مدة شهرين كاملين فوق الدرائرة القطبية . أي أنه أثناء سير ذي القرنين على الأراضي الأمريكية كان الليل يأتي حتى ولو لساعات قليلة، لكن بوصوله الى مشرق الشمس في شرق آسيا أنتهى الفصل الربيعي الذي قد يأتي به ليل، وبدأ فصل الصيف الذي لا ليل له على الأطلاق، كما سبق القول والتفسير. وعدم التقائه بأي قوم في تلك المسافة قد يفسر على أنها مناطق مقفرة طارده للسكان، لدرجة أن القوم الذين مر بهم في مشرق الشمس قوم رحل، وليسوا مقيمين في مكان ما، لذلك لا تجد في الخرائط التاريخية أي موقع لهم (Bahn, 2002)، كما هو الحال في عدم وجود آثار تاريخية للبدو الرحل في المناطق الصحراوية، ولذلك أيضا لم يلتق بأي قوم آخرين منذ ترك مشرق الشمس حتى وصل إلي منطقة القوقاز. الحقيقة العلمية الثالثة:
في ظل استمرار سير ذي القرنين في نفس الاتجاه العام لرحلته (غربا)، فانه يصل إلى منطقة جبال القوقاز التي يقع فيها ما يعتقد أنه ردم ذي القرنين، الذي يقع بالقرب من قرية "دربند" التابعة لروسيا في الوقت الحاضر، ويطلق على ذلك الردم سد "دربند"، وهنا لابد من توضيح عدد من النقاط أولها: انه وفقا لكتب التفسير –فالباحثتان لم تزوراه ولم تجدا معلومات دقيقة عنه، غير وجودة في قرية دربند في روسيا- يعتبر هذا الردم الأكثر قربا للصفات التي ذكرها القرآن الكريم، لكونه مبنياً من الحديد أو صخور مليئة بمعدن الحديد "زبر الحديد". وفي الواقع منطقة القوقاز والمناطق القريبة منها ينتشر بها معدن الحديد بكميات هائلة، بالإضافة إلي المعادن الأخرى، باستثناء معدن النحاس. بالإضافة إلى كون سد "دربند" يقع بين جبلين شاهقين يقعان على امتداد واحد، وهذا ما ذكرته الآيات الكريمة.
ثانيا: التاريخ الذي بني فيه الردم غير معروف، لكنه سهل معرفته باستخدام التأريخ الإشعاعي للمواد المبني منها الردم، وأن ثبت فعلا أنه يعود إلي فترة ما قبل 4000 سنة على الأقل، أي قبل نزول الديانة اليهودية التي جاءت في فترة ما بين 2000 و1200 سنة قبل المسيحية (فوزي محمد حسين، 1993)، فأنه سيثبت بأنه هذا هو ردم ذي القرنين.
ثالثا: أن الشعب الذي التقاه ذي القرنين في منطقة بين السدين شعب له حضارة بدائية، ويمكن معرفة ذلك من عدة نقاط وردت في الآيات الكريمة، أولها وأكثرها مباشرة هي قوله تعالى "لا يكادون يفقهون قولا"، وهذا لا يعني عدم فهمهم للغة، فهم كانوا يتحدثون نفس اللغة التي كان يتحدث بها ذو القرنين، أو على الأقل لغة بها مفردات مشتركة كثيرة، لأنه بالعودة إلى عوائل اللغات الأصلية language family في العالم (أنظر الشكل 10) تجد أن اللغة الأم لسكان العالم الجديد وسكان سيبيريا وسكان القوقاز واحدة، وذلك بالرغم من اختلاف اللغات في الوقت الحاضر. وكما جاء في الآية الكريمة " لا يكادون" أي أنهم يعرفون اللغة لكن بمفردات بسيطة. وكما هو معروف أن اللغات تتطور وتزداد الأسماء بها عبر الزمن وفقا لأتساع المساحات الجغرافية، التي تؤدي إلي التنوع في كل شيء، من الأرض إلى الأحياء التي عليها. لكن عدم الفقه هنا ناتج عن بدائية الحضارة، حيث يعتقد علماء اللغة أن اللغة تتطور وفقا لتطور الحضارات، بمعنى أنه كلما كانت الشعوب أكثر تحضرا، كلما زاد عدد المفردات التي يستخدمونها، فكل شيء يخترعونه أو يكتشفونه يطلقون عليه أسما (Lehmann,1992, Schultz and Lavenda,1998, p288)، لكن حين لا يكون هناك حضارة مزدهرة يقل عدد الأسماء، وتظل مستمدة من الأشياء المشابهة لها في الطبيعية في ذلك المكان. وهذا ما تؤكده الآيات الكريمة بشكل واضح، فلقد أطلق هؤلاء القوم لفظ سد للاشارة الى بناء سد من صنع الانسان، أي بنفس اللفظ المستمد من الطبيعة، حيث أتى لفظ سد في الآيات الكريمة بمعنى جبل " بلغ بين السدين" أي بين الجبلين، لكن ذا القرنين القادم من منطقة متقدمة الحضارة أطلق على السد الذي هو من صنع الإنسان لفظ ردم. والردم هو السد الناتج عن فعل الإنسان، لأنه تردم المواد فيه، والردم أيضا تأتي بمعنى الرقعة، وكأن ذا القرنين رقع بين السدين الطبيعيين برقعة من فعل الإنسان. وهذا يدل على الثراء اللغوي الموجود عند ذي القرنين، الذي جعله متمرساً في اللغة، ولا يستخدم ألفاظاً مستقاة من الطبيعة، كالسد الجبلي لكنها مشتقة من فعل الإنسان مثل الردم. رابعا: الاتجاه الذي أتى منه ذو القرنين إلى قوم بين السدين، فذو القرنين وفقا للآيات اتبع طرقا معروفة في ذلك الوقت، أي أنها موجودة أصلا، لكن يبدو أن هذه الطرق تستخدم من قبل القبائل الرحل سواء في أمريكا الشمالية أو في شمال آسيا، فهو لم يمر ببشر طوال تلك الرحلة الطويلة إلا بأولئك الأقوام الثلاثة. وبما أنه لم يمر ببشر كثر خلال رحلته الطويلة تلك، فالأرجح انه كان قادما خلال صحراء سيبيريا بشمال آسيا الخالية من السكان، إلا من بعض قبائل الإسكيمو، حتى بلغ جبال القوقاز من جهة الشمال متجها جنوباً، وقبل أن يصل إلى المنطقة التي بنى فيها السد وجد قوم بين السدين. وهذا الترجيح يعتمد على سببين رئيسيين الأول: أنه لو أتى من جنوب القوقاز إلى شماله، فانه حتما قبل وصوله الى جبال القوقاز، سوف يكون قد مر بالكثير من المدن الحضرية المتناثرة في الصين والتبت وفارس قبل ان يصل إلي قوم بين السدين، لأنه سيكون قادما من وسط آسيا وليس شمالها، وفي وسط آسيا يوجد طريق الحرير الذي توجد علية المدن السابقة الذكر، لكن عدم مرورة ببشر يعني أن معظم رحلته كانت في المناطق السيبيرية المقفرة التي تقع الى شمال طريق الحرير، والثاني انه لو أتى من جنوب القوقاز، فان قوم بين السدين سيخافون منه واتباعه، ظنا أنهم يأجوج ومأجوج، الذين تعتقد هذه الدراسة انهم يغيرون على قوم بين السدين من جنوب القوقاز، وعلى هذا الأساس لن يأمنوا له ويطلبوا منه ان يحميهم من يأجوج ومأجوج.
وترجيح هذه الدراسة بأن يكون يأجوج ومأجوح من جنوب القوقاز يعود الى ما هو معروف من قراءة التاريخ أن البشر الأكثر تحضرا يغزون أولئك الأقل حضارة، ويأجوج ومأجوج ليسوا جناً أو كائنات غير معروفة، بل هم بشر وفقا لكتب التفسير (أنظر تفسير ابن كثير)، وهذا تفسير يؤيده العقل، لكنهم بشر غزاة، والغازي دائما يكون أكثر قوة وأكثر حضارة، ولأن معظم الحضارات القديمة حتى ذلك الوقت قامت حول البحر المتوسط، لا بد أن يكون يأجوج ومأجوج ينتمون إلى أي من تلك الحضارات الموجودة في جنوب القوقاز وحول البحر المتوسط. وما يثير الدهشة بالفعل أن جميع الحضارات التي أتت بعد بناء الردم كانت تتوقف توسعاتها عند الجانب الجنوبي لجبال القوقاز . باستثناء الفتوحات التترية التي شملت شمال وجنوب القوقاز، وذلك قد يفسر ان الغزو التتري كان من الاتجاهين وليس من اتجاه واحد، أي أنه كان من الاتجاه الشمالي الشرقي والجنوبي الشرقي لجبال القوقاز. خامسا: قد يكون القطر الذي أضافه ذو القرنين إلى زبر الحديد هو القطران وليس النحاس، بالرغم من أن النحاس مادة لا تصدأ وقد يجعل اختلاطها بالحديد عدم صدأ الحديد أيضا، لكن لا يوجد نحاس في جبال القوقاز التي يفترض أن يكون ردم ذي القرنين بها، الا أن لم يكن ذلك هو ردم ذي القرنين. كما أن النحاس يحتاج الى درجات حرارة مرتفعة حتى يصهر ويمكن أن يصب، كما في الأية الكريمة (اتوني أفرغ عليه قطرا)، ومن ثم كيف سيتمكن ذي القرنين أو العمالة التي معه من صبه على الحديد وهو ملتهب، والدليل على ذلك قيام ذي القرنين بوضع الحديد أولا في الموضع المراد صبه فيه "بين الصدفين" (اتوني زبر الحديد حتى اذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا)، ومن ثم أشعل النار لتصهره، فالحديد كما النحاس يحتاج الى درجات حرارة عالية ليصل الى درجة الذوبان، ولو كان النحاس هو الذي أضيف للحديد، فلم لم يضع الاثنين معا؟ مادام خلطهما يعني عدم الصدأ. بالاضافة الا أن الآيات الكريمة قالت عن الحديد الخام زبر الحديد فلم لم يكن الحال نفسه ويكون أيضا خام النحاس بدل من معدن النحاس الخالص الذائب. لكن مع القطران الذي يمنع الحديد من أن يصدأ أيضا، فالوضع مختلف، ويبدو أكثر مناسبة في أن يكون هو الذي أضيف الى الحديد، والقطران لفظ مشتق من قطر، ولفظ قطر في اللغة يعني: سائل مستخلص من عناصر أساسية، مثل الأزهار ونحوها، والقطران عبارة عن مادة مستخلصة من الفحم الحجري والكاز، وذلك قبل ظهور القطران المشتق من البترول. وهنا لن نناقش المعنى اللغوي للفظ قطران لأنه يحتاج الى مختصين في اللغة العربية والقراءات، وهما مجالين بحورهما واسعة. لكن سنناقش الخصائص التي يتميز بها القطران، التي قد نكون من خلال تخصصنا أكثر وعيا بها. فالقطران –كما هو معروف- مادة لا تجمد بدرجة حرارة الجو العادية، ولا تحتاج للنار للذوبان. لذلك وضع ذي القرنين قطع الحجر التي بها الحديد أولا، ثم أشعل النار ليذيبها، وبعد ذلك أضاف القطران عليه وهو ذائب، فلو كان القطران كأي من المعادن المذابة، لا يذوب إلا بدرجات الحرارة المرتفعة، لاستعصى على ذي القرنين أو العمالة التي لديه أن يحملوه ويصبوه فوق الحديد الذائب وهو شديد الحرارة كما حال النحاس الذائب، لكنه من السهولة وللوازم السلامة أن يحمل سائل بدرجة حرارة عادية ليصب على الحديد الذائب. بالاضافة الى أنه لو وضع القطر مع الحديد وأشعل النار، ستذهب فائدة القطران لأنه سوف يحترق، لكن وجوده كسائل فوق سائل الحديد المذاب يحمي خصائصه. وهذا ما يتم في الوقت الحاضر في صناعة الحديد والصلب (الفولاذ).


الخلاصة والتوجيهات


* يبدأ الإعجاز العلمي لهذه الآيات من سبب نزولها، وذلك بسؤال كفار مكة النبي صلى الله علية وسلم عن ذي القرنين، وتضرب قصة ذي القرنين في عمق التاريخ بحيث لا يعرف عرب الجزيرة عنها شيئا، حتى أنها لم ترد ضمن الأساطير Myths في شبه الجزيرة العربية، فمن المعروف أن معظم الأساطير تقوم على شيء من الحقيقة (Cotterell and Storm, 1999)، ووجه الأعجاز أن هذه القصة بدأت من العالم الجديد. والإعجاز في هذه الآيات لا يقوم على عامل الزمان فقط، بل أنه يتبعه بالمكان، ولما كان من سهل تتبع المكان فلقد قامت الآيات الكريمة على وصف الأماكن التي مر بها ذو القرنين، وصفا دقيقا يمكن تتبعة من خلال الخطوط العامة لبعض العلوم كالجغرافيا والجيمورفولوجيا والجيولوجيا. وتتجلى دقة الآيات الكريمة ببدايتها في قوله تعالى "قل سأتلوا عليكم منه ذكرا" أي أن جزءاً من قصة ذي القرنين سيذكر، وربما هو أهم جزء من سيرة ذي القرنين، وليس سيرته كاملة، وأهمية هذا الجزء من قصة ذي القرنين هي التي قد تفيد منها البشرية، ويثبت بها علم الخالق سبحانه وتعالى الذي وسع كل شيء. ثم تتبع الآيات بالاخبار عن خلفية ذي القرنين الذي لا بد أن تفصح حين الحديث عنه، كالملك الذي قد يأتي بمعنى الغنى والعلم، فهما أهم عناصر نجاح رحلة ذي القرنين، لكن لا نهاية لقصته في الآيات الكريمة، وهذا هو حال جميع آيات الإعجاز أنها تعطي الحقائق والأخبار، لكن التتمة التي لا تغذي إلا الفضول الإنساني أو ربما العقل الإنساني فهي متروكة له. وأهم ما يجب أن يعرف عن ذي القرنين هو تمكينه في الأرض، بمعنى أن آتاه الله سبحانه وتعالى الملك والمال، فلو لم يكن لديه الملك والمال الكافي فأنى له أن ينفق على رحلته الطويلة تلك، فإنه سيكون مشغولا بجمع المال، والتمكين له لم يكن في الملك فقط، بل كان في العلم أيضا، وذلك يمكن فهمة من تتمة الآية "وآتينه من كل شيء سببا" أي وسيله وطريقة، والوسائل والطرق لن تأتي إلا بالعلم، بالإضافة إلى تتمة القصة التي تبين مدى العلم الذي تمكن منه ذو القرنين حين قام ببناء الردم. وعلى هذا الأساس تفترض هذه الدراسة أن ذا القرنين من سكان الحضارات القديمة في العالم الجديد، الذي ظهرت فيه حضارات فاقت بعض الحضارات الموجودة في العالم القديم في تلك الفترة، ومن أهم تلك الحضارات حضارة المايا، التي برع أهلها في الفلك والهندسة، وكان لهم لغة مكتوبة وهي اللغة الهيروغليفية، وبالرغم من وجود آثار بشرية على معظم قارتي أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، لكن آثار قبائل المايا هي الأكثر تحضرا وعلما. ومستوى التحضر والعلم للمجتمع الذي سينسب إليه ذا القرنين مهم عند محاولة تدبر قصته، وذلك لأنه كان ذا علم واسع كما يتضح من الآيات الكريمة. بعد أن أخبر الله سبحانه وتعالى أن ذا القرنين أوتي أسباب العلم والملك، بدأ الخبر عن رحلته، التي أتبع فيها ذو القرنين سببا أي اتبع طريقا موجودا ولم ينشئ هو الطريق، وذلك الطريق كان بريا، ولكن لم توضح الآية الكريمة اتجاه هذا الطريق، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على دقة الآيات الكريمة، لأن الطرق البرية عادة تكون متعرجة ولا تسير بخطوط مستقيمة مثل الخطوط الجوية مثلا، فقد تكون هناك عوامل طبيعية تؤدي إلى تعرج ذلك الطريق. وهو كما سبق القول لم يكن طريقا بحريا، لأن البشر الذين عاشوا في جزر المحيط الهادي البعيدة، ظلوا معزولين، مما يؤكد عدم وجود طرق بحرية. اذن بالرغم من أن الآيات الكريمة لم تحدد اتجاه الطريق، لكنها حددت نهاية الرحلة الأولى التي كانت في غرب العالم، وذلك حسب الآية الكريمة "حتى إذا بلغ مغرب الشمس"، وحتى يبين هذا الغرب بدقة، بين أهم معالم سطح الأرض التي توجد في غرب العالم بشكل أساسي وهي العين الحمئة. ووجد عند العين الحمئة – دون تحديدها- قوما أي أمة أو قبيله، ووفقا للدراسات الاركيولوجية والجيمورفولوجيا ان معظم البحيرات العذبة المنتشرة في ذلك الجزء من العالم، سواء كان بها براكين أم لا، كان يوجد حولها سكان يعود قدم آثارهم الى قدم حضارة المايا. أما رؤيته للشمس بأنها تغرب في العين الحمئة، فهو قد يكون ما يترائى لعين الرائي من زاوية معينه بذلك، كأن نرى نحن اليوم الشمس تغوص في مياه الخليج، بينما هي في الواقع تزحف نحو أراض أخرى تبعد عنا آلاف الأميال، وهذا أيضا ما ذكر في كتب التفسير، وهو ما يرجحه العقل والعلم. وغروب الشمس في العين الحمئة اذن قد يعني غوصها في حقول العيون الحمئة، أو غروبها في البحيرات التي بها عيون حمئة أو براكين. ويبدو أن ذا القرنين قد وصل إلى هؤلاء القوم غازيا، وإلا لما كانت له سلطه في أن يعذب أو أن يحسن إلى أولئك القوم، فمن لم تكن له القوة لا يكون له الخيار، "قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب أو أن تتخذ فيهم حسنا". والعذاب في هذا السياق يأتي بمعنى العقاب وليس التعذيب بحد ذاته، فالقصة هنا عن رجل صالح وعالم وحكيم والرجال بهذه الصفات لا يستخدمون أساليب التعذيب، وقد يكون التعذيب هنا بمعنى الأسر، فالأسر بحد ذاته عذاب، وذلك ما يفهم من تتمة الآية "ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا" فربه هنا، بمعنى سيده وليس الهه، فكما هو معروف لدينا في الدين الإسلامي أن من يعذب في الدنيا لا يعذب يوم القيامة، فكيف يقوم تعذيب ذي القرنين له في الدنيا، ثم يعذبه الله مرة أخرى في الآخرة. وهذا يعني أن صيغة "ربه" هنا لا تعنى الله، أو اله لأنه لو كان يقصد به ذلك لقال ربي بدل أن يقول ربه، كما قال حين انتهى من بناء الردم "هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا" لأن ذا القرنين وفقا لهذا المنطق سيكون أكثر إيمانا من ذلك الشخص. وهذا قد يعنى أن ذا القرنين كان قائداً وهناك سيد آخر له سلطة على هذا الشخص، لكن ليس له نفس السلطة على ذي القرنين، لأنه رب هذا الشخص وليس رب ذي القرنين، مما قد يشير إلى نوع الحكم السائد ونوع العلاقات الاجتماعية، في المنطقة القادم منها ذو القرنين، الذي لا يخدم هذه الدراسة في هذه المرحلة على الأقل. وسوف يعاقب من ذلك السيد عقاباً نكرا شديدا، أكثر قسوة من عقاب ذي القرنين، أو أكثر قسوة من قسوة الأسر. وفي مقابل ذلك فإن الأشخاص الذين يتبعون ذا القرنين دون مقاومة لهم الجزاء الحسن، وسيخبرهم أو سيعلمهم من بعض مما لديه من العلم. ثم اتبع طريقا قد يكون متمما للطريق الأول، لكنه ليس الطريق الذي أتى منه، ومرة أخرى تذكر الآيات الكريمة أن ذا القرنين اتبع طريقا لكن دون ذكر وجهة ذلك الطريق. حتى وصل إلى مشرق الشمس أي شرق العالم الذي هو أقصى شرق آسيا، فوجد الشمس تطلع على قوم ليس بينهم وبينها ستر، وهذا قد يعني أنه وصل إلى شرق العالم في فصل الصيف، فوجد الشمس لا تغيب عنهم، لذلك ليس لديهم من دونها ستر، وذلك بسبب شروقها الدائم لمدة شهرين، والإسكيمو قوم لا توجد لهم بيوت تسترهم. ويبدو انه وصل إلى هذه المنطقة برجال وسلاح وعتاد أقل مما كان عند أول قوم، وذلك طبيعي ان يكون فقد الكثير من رجاله أثناء رحلته الطويلة من أمريكا الوسطى إلي أقصى شرق آسيا. وذلك ما توضحه الآية الكريمة "كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا" والا ما فائدة تكرار علم الله سبحانه وتعالى بما لدى ذي القرنين، أن لم يختلف ما لديه، وظل على حاله السابقة. وقد يعود لفظ "كذلك" الى ان الله سبحانه وتعالى خيره مرة أخرى بأن يعذب هؤلاء القوم أو ان يتخذ فيهم حسنا، كما حدث مع القوم الذين سبقوهم (أنظر تفسير الطبري)، أي تكرار نفس ما كان عند أول قوم لكنه اختصر في الآيات الكريمة بلفظ كذلك. وذلك بالرغم من ان الله تعالى كان على علم بما بقي لديه من رجال وعتاد. ثم اتبع طريقا آخر، ومرة أخرى تذكر الآيات الكريمة أن ذا القرنين اتبع طريقا لكن دون ذكر
 
أعلى