القواعد الجديدة التي ستحكم نظام العالم الجديد

خبر ممتاز

عضو نشط
التسجيل
25 يناير 2010
المشاركات
421
الإقامة
الكويت
نحن أمام مصدري قلق يرتبطان بالتحولات المرتقبة في ميزان القوى: أولاً، كيف ستتعامل الصين مع تجدد قوة الولايات المتحدة؟ ثانياً، كيف ستتعامل الهند مع مرحلة نشوئها كقوة من الصف الأول على الساحة الدولية؟
ما من طريق أسرع لكسب نفوذ كبير من أن تعمد قوة عظمى قائمة أو طموحة إلى خوض صراع قوي مع دولة أخرى تنتمي إلى المرتبة نفسها. استناداً إلى المعطيات التاريخية، تكون العوائق التي تحول دون ارتقاء الدول إلى مصاف القوى العظمى دائمة: هكذا كان مصير بريطانيا الإمبريالية واليابان الإمبريالية وألمانيا- الإمبريالية والنازية في آن- في النصف الأول من القرن العشرين، وينطبق الأمر نفسه على روسيا السوفياتية في النصف الثاني من القرن نفسه، مع أن الحرب التي قامت بين موسكو والغرب كانت باردة. يمكن أن تستخلص واشنطن وبكين ونيودلهي درساً مهماً يجب أن تتذكره هذه الدول في السنوات المقبلة، بما أن الثنائيات المرجحة لخوض حرب كبرى في القرن الحادي والعشرين تتألف من الولايات المتحدة والصين أو من الصين والهند.
سيعمد عدد من المراقبين إلى تبديد هذه المخاوف باعتبارها مبالغاً فيها، مع أن الهند تعزز قوتها العسكرية خوفاً من الصين، بينما تقوم الصين بالمثل وهي تضع نصب عينيها قوة الولايات المتحدة المنهكة. إذا كان الصراع المرتقب مستبعداً بهذا الشكل، فيعني ذلك أن الثلاثي- الصين والهند والولايات المتحدة- ينفق مبالغ طائلة لمواجهة التهديدات وإعادة التمركز الاستراتيجي في الوقت الذي يحتاج فيه العالم إلى ما هو أفضل من ذلك من جانب الأفراد والجماعات معاً. تتابع ظاهرة العولمة التوسع بوتيرة متسارعة، فتولد جميع أشكال الاضطرابات المحلية في المناطق النامية التي لا تستطيع بعد استيعاب حركتها الثورية. تلعب الصين والهند دور عملاء الاحتواء، بينما تضطلع الولايات المتحدة بدور القيادة السياسية، لكن لا يزال التعاون العملي بين هذه الدول، لإدارة هذا العالم الغارق في الفوضى، غير ناضج- أو حتى غير موجود على أرض الواقع.
على نطاق أوسع، لم تقدم إدارة أوباما أي شيء جديد بما يفوق ما شهدناه خلال عهدي كلينتون وبوش: لا تزال واشنطن تعتبر أن حلفاءها الجديين والوحيدين يقعون في أوروبا الغربية ودول آسيا الصناعية، لكن اتضح من عملية التدخل في ليبيا، بقيادة حلف شمال الأطلسي، أن التحالف الغربي أصبح يفتقر إلى التماسك الاستراتيجي. خارج الولايات المتحدة، يتراجع حجم الإنجاب في الغرب، وبالتالي بدأ الحلفاء الأوروبيون واليابانيون يخسرون العمال الآن، ويرتفع عدد كبار السن في مجتمعاتهم. في غضون ذلك، بدأ حجم الجيش في هذه البلدان يتقلص، تماماً مثل رغبته في القتال. عند النظر إلى المشهد الاستراتيجي في حقبة ما بعد عام 2030، حين سيختبر العالم جميع أشكال الموارد والمشاكل البيئية، لا يمكن اعتبار أوروبا واليابان مرشحَين جديين للارتقاء إلى مصاف القوى العظمى.
بالنسبة إلى طموح مجموعة دول “البريكس” (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) بالارتقاء إلى مصاف القوى العظمى، يمكن إقصاء جنوب إفريقيا نظراً إلى اتساع رقعة الفقر فيها، ويمكن استبعاد روسيا بسبب معطياتها الديموغرافية والبرازيل أيضاً بسبب بيئتها الأمنية الحميدة، إذ لا تمنح هذه الأوضاع أي زخم فعلي لنشوء جيش يكون بمستوى جيوش القوى العظمى.
وهكذا لا يبقى أمامنا إلا الصين والهند والولايات المتحدة التي تضم جيوشاً مؤلفة من مليون عنصر وتتمتع باقتصاد رائد عالمياً لدعم تلك الجيوش. صحيح أنها طريقة مبسطة لقياس حجم النفوذ في زمن تتحول فيه الجيوش من حرب الاستنزاف إلى استراتيجيات مبنية على نظام معين، لكن يمكن أن تساهم الطائرات بلا طيار والضربات الجوية العالية الدقة في تحقيق النتائج حصراً في مجال معالجة الوضع على أبرز جبهات العولمة. لن يختفي مفهوم “نشر الجنود ميدانياً” من أجل بناء الدول لمجرد أن الولايات المتحدة تعبت من هذه المهمة بسبب تطبيقاتها المحدودة الأخيرة. ستعالج الصين والهند هذه المشاكل تلقائياً كونها مسلحة بعدد سكاني يفوق المليار نسمة.
قد يصعب تصديق أن الضحايا السابقين للاستعمار الأوروبي في الدول النامية سيقبلون بهذه المقاربة المبنية على سياسة التدخل، لكن وفق المشهد المرتقب بعد عام 2030، ستتعزز القدرة على معالجة مجموعة من المسائل المتعلقة بالموارد العالمية- بدءاً من الطاقة والغذاء- ومن المتوقع أن تواجه الصين والهند نقاط ضعف هائلة وأن تعودا إلى نظام التبعية للآخرين.
لكن من المستبعد أن تتمكن الصين والهند من الحصول ببساطة على ما تريدانه بالقوة، نظراً إلى حاجاتهما الكبرى والمتشابهة وخصومتهما القديمة. في هذه المرحلة، من المنطقي أن تلعب الولايات المتحدة دور القوة الخارجية التي تعيد التوازن إلى الأوضاع في أنحاء أوراسيا والشريك الثالث الذي يرسي الاستقرار في أماكن أخرى.
غير أن التوازن بين القوى الثلاث سيتأثر كثيراً ببعض المعطيات الديموغرافية. في سوق العمل، ستخسر الصين سريعاً عشرات ملايين العمال بحلول عام 2030. في المقابل، ستكسب الولايات المتحدة “الأكثر شباباً” حوالي 24 مليون عامل إضافي، وسيزداد هذا العدد في الهند الشابة بأكثر من 100 مليون فرد. هكذا ستعوض الولايات المتحدة عن نقصها الديموغرافي العام بفضل مدخولها الفردي الذي سيبلغ حوالي 60 ألف دولار في عام 2030، مقابل 20 ألف دولار للصين و10 آلاف دولار للهند. صحيح أن الولايات المتحدة ستبقى بلداً مديوناً، لكن ستبقى الصين والهند من جهتهما مكبلتين بسبب انتشار الفقر في مناطقهما الريفية التي ستشهد زيادة سكانية بمعدل مئة مليون نسمة تقريباً.
بحلول عام 2030، سيضم ثلاثي الصين والهند والولايات المتحدة أقوى ثلاثة أنظمة اقتصادية وطنية وأقوى جيوش في العالم، ولن يقترب أي بلد آخر من مضاهاتها في هذا المجال. في أي عالم منطقي، ستدرك هذه البلدان الثلاثة طبيعة مصالحها الاستراتيجية المتداخلة وستتعاون في ما بينها لإدارة النظام الاقتصادي والأمني العالمي.
لكن بين الفترة الراهنة وعام 2030، سنشهد أيضاً سلسلة من التحولات المرتقبة في مراتب تلك البلدان الثلاثة، ما سيعزز التوتر السائد أصلاً في العلاقات الثنائية والثلاثية. نحن نختبر الآن شكلاً من أشكال ذلك التوتر المرتقب، ويتوقع عدد من المراقبين نشوء قوة الصين مقابل تراجع الولايات المتحدة، مع أن البعض يعتبرون أن هذا الحكم سابق لأوانه. لكن تشكل رغبة واشنطن في بيع كميات هائلة من المعدات العسكرية إلى أي طرف في جنوب وشرق آسيا، باستثناء الصين، خير مثال على الوضع الذي يمكن أن تولده تلك التحولات على مستوى تصنيف الدول.
سيكون هذا التحول على الأرجح الأول من أصل ثلاثة تحولات مرتقبة أخرى، وسينجم التحول الثاني عن مزيج من التطورات المتمثلة ببداية جديدة في الولايات المتحدة وإخفاقات صينية محتومة على مستوى التنمية؛ بسبب الأضرار البيئية، واتساع شريحة كبار السن في المجتمع، والضوابط المفروضة على الموارد، والتعددية السياسية، وغيرها من العوامل. على الرغم من تراجع احتمال حصول صراع عسكري بين الولايات المتحدة والصين اليوم، لنتخيل مدى احتمال وقوع مواجهة مماثلة حين تُضاف النزعة القومية الناشئة في الصين إلى الغضب الشعبي حين يدرك الناس أن “القرن الصيني” دام فترة تقل عن جيل واحد.
أما التحول الثالث في ميزان القوى، فمن المتوقع أن يكون أصعب من أن تستوعبه الصين: يعني ارتفاع عدد السكان في الهند أنها سترث حتماً المكانة التي تحتلها الصين راهناً باعتبارها راعية العولمة. بحلول عام 2030 تقريباً، سيتفوق سوق العمل الهندي على نظيره الصيني، وبحلول عام 2050، سيتجاوزه بأكثر من النصف. في مرحلة معينة، ستطيح الهند بالصين نهائياً لتصبح “القوة الناشئة” الجديدة على الساحة العالمية، وسيعود ذلك أساساً إلى تكاثر الأزمات الواسعة النطاق في الصين. عند حصول ذلك، ستخسر الولايات المتحدة شيئاً من مكانتها، لكن لن تنتشر في هذه الحالة مخاوف من النوع نفسه في النظام بفضل مكانة الهند القديمة كنظام ديمقراطي مستقرّ.
نبقى أمام مصدري قلق يرتبطان بهذه التحولات المرتقبة في ميزان القوى: أولاً، كيف ستتعامل الصين مع تجدد قوة الولايات المتحدة؟ ثانياً، كيف ستتعامل الهند مع مرحلة نشوئها كقوة من الصف الأول على الساحة الدولية؟ الأمر المؤكد الوحيد هو أن “احتواء” الصين أو “الالتفاف” عليها سيكون مضيعة للوقت وقد يؤدي إلى تداعيات عكسية على المدى الطويل من خلال ترك إرث من مشاعر البغض والشكوك، لأن ما يحصل لا مفر منه من الناحية الديموغرافية.
في السنوات المقبلة، يجب أن تسعى واشنطن إلى عقد تسوية جديدة وثلاثية الجوانب كي تحل الهند والصين محل أوروبا واليابان. هذا هو النظام العالمي الجديد الذي ينتظرنا، وها نحن ننتظر معالم المرحلة الجديدة التي ستكون الولايات المتحدة وحدها مسؤولة عن رسمها باعتبارها القوة العظمى التي تهيمن على العالم راهناً.
 

لون الورد

عضو نشط
التسجيل
20 يونيو 2008
المشاركات
300
الإقامة
MyHome
قراءة متشعبة جدا

لكن ان تضع الصين و الهند و الولايات المتحدة فقط في قالب تشكيل خارطة العالم الجديد ! لا اعتقد ان هذا القالب متماسك في ظل وجود قوى اخرى غير هذه الدول !

مقالة تحتاج الوقت الكثير لتحليلها و ان كنت لا اتفق مع الكثير مما جاء فيها و هو راي شخصي بحت

شكرا اخي الكريم على رؤيتك المستقبلية للاحداث المرتقبة
 

خبر ممتاز

عضو نشط
التسجيل
25 يناير 2010
المشاركات
421
الإقامة
الكويت
في ضل ضعف الاتحاد الاوروبيودعوهلهم وظعف الدول العربيه الكبرى (الخليج ، العراق ) اتوقع انه المقال صحيح مع نمو المارد الهندي والصيني
 
أعلى