استغرق الأمر ستة أشهر من الحكومة لتجد الأعضاء الخمسة الذي عينتهم في أول مجلس لمفوضي «هيئة اسواق المال». وحين صدر القرار كانت الحكومة قد تخلفت بثلاثة أشهر عن المهلة القانونية للتعيين. الآن، وبعد ان اتخذت الحكومة القرار الجريء بابطالها عضوية ثلاثة من المفوضين الخمسة تطبيقاً للقانون، يبقى ان تحاصر التداعيات سريعاً لئلا تعود انطلاقة «الهيئة» الى المربع الأول.
لم يكن أحد يتوقع لهيئة الأسواق انطلاقة أسوأ من هذه، تبطل فيها عضوية أكثر من نصف مجلس المفوضين بعد أشهر قليلة على تعيينه، بفعل مخالفة مادة من مواد القانون. يجري الحديث الآن عن بضع مخارج ممكنة. أحدها ان تنقذ الحكومة الموقف بايجاد بدلاء سريعاً، وتلك مهمة لا تبدو سهلة قياساً على الأشهر الستة التي قضتها الحكومة في البحث عن الأعضاء الثلاثة الذين سقطت عضويتهم.
أخطر ما في الأمر يكمن في التداعيات القانونية. فقرار مجلس الوزراء أول من أمس أثار نقاشاً قانونياً حول تداعيات ذلك على القرارات التأسيسية التي اتخذها مجلس مفوضي هيئة الأسواق منذ تعيينه في سبتمبر من العام الماضي، وأهمها من دون شك اصداره اللائحة التنفيذية لقانون الهيئة في مارس الفائت.
فثمة رأي قانوني يشير الى امكان الطعن بقرارات مجلس المفوضين، نظراً لان المادة 13 من القانون الذي يحمل الرقم 7 لعام 2010 تنص على انه «يكون اجتماع مجلس المفوضين صحيحا اذا حضره أغلبية المفوضين على ان يكون من بينهم الرئيس أو نائبه، (...) وتصدر قرارات المجلس بأغلبية أصوات أعضائه».
وبما ان مجلس الوزراء أبطل عضوية ثلاثة من الأعضاء الخمسة فان صحة الاجتماعات ربما تكون قابلة للطعن، وكذلك القرارات التي تتطلب الأغلبية لامضائها.
ومع ان مصدراً حكومياً أكد لـ «الراي» ان هذه الاشكالية لم تغب عن مناقشات مجلس الوزراء، وان المجلس أجمع على ان ابطال عضوية ثلاثة أعضاء لا يبطل ما قاموا به من أعمال، فان الجدل القانوني قد لا ينتهي هنا.
يقول مصدر خبير في الشأن القانوني- الاقتصادي لم يشأ ذكر اسمه ان ما أوصل الأمور الى هنا هو القرار «المستغرب» لمجلس الوزراء بتعيين مفوضين غير متفرغين خلافاً لنص المادة 27 من القانون، بغض النظر عن الكفاءة التي يُشهد بها للأشخاص المعينين».
ويبين المصدر ان المفاعيل القانونية لما اتخذه مجلس المفوضين من قرارات قبل صدور قرار ابطال العضوية تبقى سارية ما لم يتم الطعن فيها من أي من المتضررين. وهنا يكون القرار للقضاء المختص. ولا ينتقص من ذلك ان تجزم هيئة الفتوى والتشريع والحكومة بصحة القرارات السابقة.
لكن ماذا تقول نظرة الخبير؟ هل للطعن حظوظ؟ يجيب الخبير «من واقع خبرتي أقول: نعم».
ويوضح المصدر ان تصحيح الوضع الحالي يمكن ان يتم من خلال «ترميم» مجلس المفوضين سريعاً، على ان يقوم المجلس الجديد باصدار قرارات تؤكد القرارات السابقة، لتحصنها من أي طعن لاحق.
لكن حتى مثل هذا «التحصين» قد لا يكون كافياً لوقاية القرارات المتخذة الى من الطعن في الحدود الزمنية السابقة لتأكيدها بقرارات جديدة.
يبقى ان الصيغة التي سيصدر بها قرار مجلس الوزراء رسمياً قد تقلب الوضع من حال الى حال.
ذلك ان قانون هيئة الأسواق لا يتطرق الى تعبير «ابطال العضوية» الذي تؤكد مصادر وزارية انه استخدم في قرار الحكومة، بل انه ينص في المادة 10 على حالات محددة «يفقد المفوض صفته ويصبح مكانه شاغرا»، ومن تلك الحالات «اذا أخل بأحكام المادة 27»، التي استند اليها مجلس الوزراء في قراره، والتي تحظر على المفوض «أثناء توليه العمل في الهيئة القيام بأي عمل تجاري عن نفسه او بصفته وكيلا او وليا وصيا، كما لا يجوز له ممارسة اي وظيفة او مهنة او عمل آخر في القطاع العام او الخاص، او تقديم اي خدمات او استشارات بشكل مباشر او غير مباشر او المشاركة في عضوية مجلس ادارة اي جهة تخضع لرقابة الهيئة او اي جهة ذات صلة بها».
يلفت أحد القانونيين الى فارق «مهم» بين «ابطال العضوية» و«فقدان المفوض لصفته». فالبطلان قد يتيح للمتضرر القول ما بني على باطل فهو باطل، أما فقدان الصفة أو شغور المنصب فانه لا ينال من الأعمال السابقة للعضو الذي فقد صفته.
خلاصة الأمر ان هيئة الأسواق ستغرق في جدل قانوني معقد حول عملها في المرحلة المقبلة، لن يخفف من آثاره الا سرعة اصلاح الخلل تعيين بدلاء عن المفوضين الذين أخلوا بشرط التفرغ.
عندها يمكن امتداح الحكومة بأنها اصرت على بداية صحيحة للهيئة، لا يكون فيها المفوضون أول من خالف القانون.
«المادة 10»... القاضية
في ما يلي «المادة 10» التي تنص على الحالات التي يفقد فيها المفوض في هيئة الأسواق عضويته:
مدة عضوية المفوض 5 سنوات قابلة للتجديد لمدة واحدة باستثناء أعضاء المجلس الأول فانه يجدد لثلاثة منهم فقط لمدة ثالثة ويشغر مقعد المفوض بالوفاة أو العجز أو الاستقالة، كما يفقد المفوض صفته ويصبح مكانه شاغرا في الأحوال الآتية:
أ- اذا صدر حكم نهائي بافلاسه.
ب - اذا تمت ادانته بحكم نهائي في جريمة ماسة بالشرف أو الأمانة.
ج - اذا تغيب عن حضور 3 اجتماعات متتالية أو اجتماعات غير متتالية دون عذر مقبول من مجلس المفوضين.
د- اذا أخل بأحكام المادة 27 أو أحكام المادة 30 من هذا القانون.
هـ - اذا خالف عمدا ميثاق الشرف الذي يضعه مجلس المفوضين في أول تشكيل له بحيث يحدد بموجبه قواعد سلوك وأخلاقيات المفوضين أعضاء الهيئة.