وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه

الكويت2009

عضو نشط
التسجيل
30 يونيو 2009
المشاركات
3,985
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة دعوتهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته وحتى يعرضه عليه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين {لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [(158) سورة الأنعام] ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه، ولا يطويانه ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها))

تفسير الحديث
للشيخ عبدالكريم الخضير حفظه الله من كتاب الفتن للامام البخاري رحمه الله​


((لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان))" يقول الشراح: هما فئة علي -رضي الله عنه- وفئة معاوية -رضي الله عن الجميع-، ((حتى تقتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة)) يقولون: بلغ ما قتل في حروبهم، حروب علي مع معاوية -رضي الله عن الجميع- بلغوا سبعين ألفاً، خلائق، ((مقتلة عظيمة دعوتهما واحدة))، أو ((دعواهما واحدة)) كما في بعض الروايات، كلٌ منهما يدعي نصر الحق.
((ولا تقوم الساعة حتى يبعث -يعني يظهر- دجالون كذابون، قريبٌ من ثلاثين)) وجاء في بعض الروايات سبعة وعشرون، وهؤلاء السبعة والعشرون قريبٌ من الثلاثين، منهم أربع نسوة، ((كلهم يزعم أنه رسول الله)) وبعض الروايات: ((ولا نبي بعد)) يعني من طالع كتب التواريخ والأدب وجد من أخبار المتنبئين الغرائب، ووجدهم يبلغون هذه العدة، في (نهاية الأرب) للنويري باب عن المتنبئين وطرائفهم وأخبارهم، باب، ذكر من الطرائف المضحكة من هؤلاء الذين يزعمون أنهم أنبياء، ذكر عن بعضهم حيل، جيء لهارون الرشيد بواحد قال: يزعمون أنك تزعم أنك نبي؟ قال: نعم، قال: ما اسمك؟ قال: موسى بن عمران، قال: وما هذه العصا التي بيدك؟ قال: هذه هي التي تنقلب حية، حية تسعى إذا وضعتها على الأرض، قال: ضعها لنرى، هل هو كلامك صحيح وإلا لا؟ قال له: لا أضعها حتى تقول: أنا ربكم الأعلى؛ يعني ما تنفع حتى تقول هذا الكلام، فإذا قلت: أنا ربكم الأعلى وضعت العصا ومشت تسعى، ساق أخبارهم على أساس أنها طرائف وهم دجالون كذابون، وما زال الأمر إلى وقتنا هذا، بين كل فترة وأخرى يظهر واحد، يزعم أنه نبي، نسأل الله العافية.
((حتى يبعث دجالون)) جمع دجال صيغة مبالغة، ولا يجمع جمع تكسير عند جماهير النحاة، لا يجمع جمع تكسير، ما يقال: دجاجلة عند جماهير النحاة؛ لئلا تذهب المبالغة، لتبقى صيغة فعَّال على أصلها: دجال جمعه دجالون، قال الإمام مالك بن إسحاق: دجالٌ من الدجاجلة، قال عبد الله بن إدريس الآودي: ما علمت أن دجالاً يجمع على دجاجلة حتى سمعتها من مالك -رحمه الله-.
والفرق بين هؤلاء الدجالين وبين الدجال الأكبر المسيح أن هؤلاء يدعون النبوة، وذلك يدعي الإلهية، نسأل الله العافية.
((قريبٌ من ثلاثين كلهم يزعمُ أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم)) يعني: ولا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، ومعروف أن ذلك يكون بقبض العلماء، ((وتكثر الزلازل)) والآن تسمع في كل سنة زلزال أو أكثر، عاد السنة هذه تتابعت، لكن فيما سبق كل سنة نسمع واحد اثنين، أما في هذه السنة فزادت، ويذهب ضحيتها الفئام من الناس، ((وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان)) وهذا تقدم، ((يتقارب الزمان حتى تكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة -يعني كالأسبوع-، والجمعة كاليوم -الأسبوع كاليوم الواحد-، واليوم كالساعة، والساعة كإشعار سعفة)) هذا من تقارب الزمان، منهم من يقول بأنه تقارب حقيقي، ومنهم من يقول: التقارب معنوي بذهاب البركة من العمر، فتجد الإنسان يمضي السنة في العمل الذي كان ينتهى منه في شهر، ويمضي الشهر في العمل الذي كان ينتهى منه في أسبوع وهكذا، وهذا ظاهر، كثيرٌ من الناس تطلع عليه الشمس وتغرب ما استفاد فائدة، هذا من نزع البركة، كثيرٌ من الناس يسوف اليوم غداً بعد غدٍ وهكذا إلى أن تنتهي السنة ما صنع شيئاً، لماذا يا فلان لا تجد في طلب العلم؟ والله إن شاء الله في بداية السنة، جت بداية السنة والله تصرمت الأيام لعلنا بعد رمضان -إن شاء الله- نتفرغ، بعد رمضان نبي نحج إذا رجعنا وهكذا تذهب الليالي والأيام دون فائدة، وإلا فالبركة موجودة عند من يستفيد من وقته، يعني من جلس بعد صلاة الصبح إلى العاشرة أو الحادية عشرة ماذا ينجز من الأعمال؟ الشيء الكثير، لكن من نام بعد الصبح إلى الظهر ماذا يستفيد من بقية وقته؟ لا شيء، وهذا حال كثير من الناس، كثير من الناس تنتهي أوقاتهم من بعد صلاة الصبح للاستعداد إلى الدوام، ثم الطريق إلى الدوام يحتاج إلى وقت، ثم الدوام يستغرق جل الوقت، ولا شك أن العمل في مصالح المسلمين العامة أمرٌ لا بد منه، وهو عملُ خيرٍ مع النية الصالحة، لكن أين النية الصالحة عند كثيرٍ من الناس؟ إذا لم توجد النية الصالحة فهو ضياع وقت، بغض النظر عن كونه يجلب الراتب أو يوفر شيء من حطام الدنيا، والله المستعان.
((وتظهر الفتن -يعني تكثر- ويكثر الهرج وهو القتل)) قد سبق الكلام في هذا كله، والهرج هو القتل بلسان الحبشة على ما تقدم، ((وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال)) يعني يحزنه ويبعث الهم عنده والغم ماله الذي لا يجد من يقبله منه، يعني يجد الصراع النفسي، هو مأمور بإخراج هذا المال، بل الأمر به ركنٌ من أركان الإسلام، مأمور بإخراج الزكاة، مأمور بإخراج الصدقة الإنفاق في سبيل الله، لكن يبحث ما يجد، وأنتم تعرفون أن الصدقة في وقت الحاجة أمرها عظيم، من الأمثلة على ذلك الصدقة باللحم في الأيام العادية، طول السنة تجد من يقبله، بل كثيرٍ ممن يقبل، لكن أحياناً يوم العيد قد تأتي إلى فلان وعلان يقول: والله لا حاجة لنا به، فكيف إذا كان في آخر الزمان؟! يدور الإنسان بصدقته بزكاته لا يجد من يقبلها، وهذا لا شك أنه يهم ويحزن لا سيما من فرط بالزكاة والإنفاق في سبيل الله في الوقت الذي يوجد فيه من يقبلها.
((وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به)) يعني لا حاجة لي به، وتقدم قول الرجل: "لو جئت بها بالأمس لقبلتها أما في اليوم فلا"، وهذا زيادة في الهم، ((وحتى يتطاول الناس في البنيان)) مباهاة بكثرة الأدوار وهذا موجود، فلان بنا عمارة عشرة أدوار، ثم يقول: لا، أنا بنيت خمسة عشر دور، يقول الثالث: لا، إحنا فوق، جاءت لنا الآن ناطحات السحاب، يتطاول الناس في البنيان مباهاة، وإلا إذا كان لحاجة فلا بأس به، لحاجة إذا كثر الناس وازدحموا والأرض يصعب فيها الامتداد الأفقي لضيقها لا مانع أن يرتفع البنيان لاستيعاب الناس، لكن مع التوسط، لا مانع من أن يبني الإنسان منزل يليق به من غير سرف ولا مخيلة، أما المراد بالتطاول بالبنيان كما جاء في حديث جبريل: ((وأن ترى الحفاة العراة البهم رعاء الشاة يتطاولون في البنيان)) أظن هذا لا يحتاج إلى استشهاد، شواهده كثيرة.
((وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه)) يعني ليته مات، تمنى الموت لما يرى من عظيم البلاء من الفتن والمحن، يقول القسطلاني: "لما يرى من عظيم البلاء، ورياسة الجهلاء، وخمول العلماء"، يقول القسطلاني: "واستيلاء الباطل في الأحكام، وعموم الظلم، واستحلال الحرام، والتحكم بغير حق في الأموال والأعراض والأبدان"، يقول: "كما في هذه الأزمان"، في القرن التاسع وأوائل العاشر، يتمنى الإنسان الموت لما يرى من هذه الأمور المؤلمة التي تعتصر القلب، مر بنا في درسٍ صادق أنه لا يجوز تمني الموت لضرٍ نزل به، وأن هذا الضر إذا كان في أمور الدنيا، التحسر على أمور الدنيا تمني الموت من أجل الدنيا إما في مال أو بدن، لكن إذا كان يخشى على دينه الذي هو رأس ماله، ويغلب على ظنه أنه لن يزداد من أعمال الخير يسوغ له ذلك، وعرفنا سابقاً أن طول البقاء في الدنيا إنما يتمناه المسلم للازدياد من العمل الصالح، فإذا كان في سفالة وفي نقص فالموت خيرٌ له.
((وحتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت -يعني من مغربها- ورآها الناس آمنوا أجمعون)) وأجمعون تأكيد لضمير الجمع، لكن هل ينفع نفساً إيمانها؟ ثلاث علامات كما جاء في الحديث الصحيح: ((ثلاث علامات من علامات الساعة لا ينفع معها إيمان، ولا تقبل معها توبة، الدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها)) في الصحيح، في صحيح مسلم، وهنا يقول: ((فإذا طلعت ورآها الناس يعني آمنوا أجمعون فذلك حين {لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} -يعني إن لم تكن آمنت من قبل لا ينفعها الإيمان- {لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [(158) سورة الأنعام]" يعني لا الدخول في الإسلام ينفع، وهذا القسم الأول، {لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا}{أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} ولا العمل الصالح ينفع بعد فوات الأوان، فالمسلم المفرط لا تنفعه التوبة حينئذٍ، والكافر لا ينفعه الإسلام إذا طلعت الشمس من مغربها.
((ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه)) الثوب منشور، البائع ينشر الثوب ليراه الزبون -المشتري- ويخبره بسعره والثوب منشور، فتقوم الساعة والثوب منشور فلا يتبايعانه لا يتمكنان من البيع والشراء إبرام العقد بالإيجاب والقبول، ولا يتمكن البائع من طيه وإعادته إلى مكانه، ((وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته -اللقحة اللبون من الإبل- فلا يطعمه)) يعني فلا يشربه، في هذا كله إشارة إلى أن الساعة تقوم بغتة، تفجئ الناس فجأة، ((ولا تقومن الساعة وهو -يعني الرجل- يليط حوضه -يصلحه ويسد شقوقه- فلا يسقي فيه)) فتقوم الساعة قبل ذلك، ((ولتقومن الساعة وقد رفع -يعني الرجل- أكلته -اللقمة- إلى فيه فلا يطعمها)) رفعها إلى فيه، ومع ذلك لا يستطيع أن يدخلها في فمه، هذا صنف من الناس، وصنف تقوم الساعة ويده على الطعام أو في طريقها إلى الطعام، وصنفٌ تقوم واللقمة في فمه فلا يستطيع أن يمضغها، كما جاء في بعض الروايات، المقصود أنه إذا قامت الساعة هجت كل شيء، خلاص، والله المستعان.
 

جواهر

عضو مميز
التسجيل
27 نوفمبر 2010
المشاركات
12,899
نسال الله السلامه والعافيه والرحمه

جزاكـ اللهـ خير وجعله في ميزان حسناتكـ
 
أعلى