قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: أَيْ رَسُولَ اللهِ! أَوْصِنِي

baba عمو

عضو نشط
التسجيل
29 نوفمبر 2010
المشاركات
179
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته





عَنْ أَبُو سَلَمَة؛ قَالَ: قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: أَيْ رَسُولَ اللهِ! أَوْصِنِي؛ قَالَ: ((اعْبُدَ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، واعْمَلْ للهِ كَأنَّكَ تَرَاهُ، وَاعْدُدْ نَفْسَك مِنَ الْمَوْتَى، وَاذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ كُلِّ حَجَرٍ وَشَجَرٍ، وَإِذَا عَمِلْت السَّيِّئَةَ فَاعْمَلْ بِجَنْبِهَا حَسَنَةً؛ السِّرُّ بِالسِّرِّ وَالْعَلاَنِيَةُ بِالْعَلاَنِيَةِ)). رواه الطبراني في المعجم الكبير، وحسَّنَهُ الألبانيُّ -رحمهما الله- في صحِيحِ الجَامعِ: 1040.



قال المنَّاويُّ -رحمهُ الله- في فيض القدير (1/ 702):

(اعْبُدَ اللَّهَ، وَلاَ تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا)

وهذا أول ما أقام الله من بناء الدين وجمع بينهما؛ لأنَّ الكفار كانوا يعبدونه في الصورة ويعبدون معه أوثانًا يزعمون أنها شركاؤه.

(واعْمَلْ للهِ كَأنَّكَ تَرَاهُ)؛ يعني: كن عالمًا متيقظًا، لا ساهيًا ولا غافلاً، وكن مجدًّا في العبوديِّة، مخلصًا في النيَّة، آخذًا أهبة الحذر؛ فإنَّ من عَلِمَ أنَّ له حافظًا رقيبًا شاهدًا لحركاته وسكناته؛ فلا يسئ الأدب طرفة عين، ولا لمحة خاطر.

وهذا من جوامع الكلم؛ وقال هنا: (اعْمَلْ للهِ)، وقال في حديث الصحيحين: (اعْبُد الله)؛ لأن العمل أعم فيشمل.



(وَاعْدُدْ نَفْسَك مِنَ الْمَوْتَى)، وترحَّل عن الدنيا؛ حتى تنزل بالآخرة، وتحل فيها حتى تبقى من أهلها، وأنَّك جئت إلى هذه الدَّار كغريب! يأخذ منها حاجته ويعود إلى الوطن الذي هو القبر.

وقد قال عليٌّ -كرم الله وجهه-: "إنَّ الدنيا قد ترحلت مدبرة، والآخرة ترحلت مقبلة، ولكل منهما بنون؛ فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عملٌ ولا حساب، وغدًا حسابٌ ولا عمل". انتهى.

فكأنَّك بالموت وقد سقاك كأسه على غفلة؛ فصِرت من عسكَر الموتى؛ فنزِّل نفسك منزلة من قضَى نَحْبَهُ، واترك الحرص، واغتنم العمل، وقصِّر الأمل، ومَن تصوَّر في نفسه أنَّه لا يعيشُ غدًا؛ لا يهتم له ولا يسعى لكفايته؛ فيصير حرًّا من رقِّ الحرصِ، والطمع والذلِّ لأهل الدنيا.

قال ابن الجوزي: إذا رأيت قبرًا فتوهمه قبرك، وعدَّ باقي الحياة ربحًا.



(وَاذْكُرَ اللَّهَ -تَعَالَى- عِنْدَ كُلِّ حَجَرٍ وَشَجَرٍ)؛ أي: عند مرورك على كلِّ شئ من ذلك؛ فالمراد ذكره على كلِّ حال.

قال العارفون: ومن علامات صحة القلب: أنْ لا يفتر عن ذكر ربِّه، ولا يسأم من خدمته، ولا يأنس بغيره.

ولَمَّا كان ذلك كلَّه يُرجِّح إلى الأمر بالتقوى والاستقامة، وكمال ذلك لا يكون إلا لمن اتصف بالعصمة، وحفظ عن كل وصمة، وأما غيره فلابدَّ له من سقطة أو هفوة؛ أرشد إلى تدارك ما عساه يكون من الذنوب بقوله: (وَإِذَا عَمِلْت السَّيِّئَةَ فَاعْمَلْ بِجَنْبِهَا حَسَنَةً) تمحها؛ لأنَّ الحسنات يذهبن السيئات.



(السِّرُّ بِالسِّرِّ وَالْعَلاَنِيَةُ بِالْعَلاَنِيَةِ)؛ أي: إنْ عملت سيِّئة سريَّة فقابلها بحسنة سرِّيَّة، وإنْ عملت سيِّئة علانية فقابلها بحسنة علانية، هذا هو الأنسب، وليس المراد أنَّ الخطيئة السريَّة لا يكفِّرها إلا توبة جهريَّة، وعكسه كما ظن.

وقيل: أراد بتوبة السِّر الكفارة التي تكون للصغيرة بالعمل الصالح، والقسم الثاني بالتوبة -كما سبق موضحًا-]. ا.هـ. مختصرًا.



منقول
=============================
 

جواهر

عضو مميز
التسجيل
27 نوفمبر 2010
المشاركات
12,899
جزاك الله خير
 
أعلى