فضل
عضو مميز
يقول احدهم ..،
في رحلة قصيرة قضيتها برفقة أحد الأصحاب وزملاء العمل لدولة مجاورة
استوقفني منظر مؤثر لرجل أربعيني ينزل والدته من سيارته إلى كرسيها
المتحرك < ربما لتستريح أو تقضي حاجتها > وهي تتعلق بعنقه وتجازيه
على حسن صنيعه بابتسامة رضا عريضة ارتسمت على شفتيها بلا تكلف ..
أخذتني ابتسامة المرأة العجوز وما سيعقبها من دعوات طيبات بعيدا جدا عن
حديث صاحبي فما كان منه إلا أن نبهني بوخز خفيف ليخبرني أن الزحام
شديد على المركز الحدودي , وأنه قد يتأخر في إجراءات الخروج ..
لم أشأ أن أكون سلبيا فبادرت أطلب منه أن أتولى أنا < تختيم > جوازينا
بينما يتفرغ هو لـ < جمركة > سيارته ..
بدا على وجهه امتعاضا من قبول طلبي , لكنه بعد أن جذب جواز سفره
ودفعه أكثر من مرة بطريقة سريعة لا إرادية !
وبعد أن تفحص عيني بدقة المتفرس وافق مشترطا أن أعده بعدم فتح الجواز
أو تصفحه ..
وعدته بلا تردد وأنا أهم عجلا للسير نحو مكتب الجوازات الذي غص
بالمسافرين ..
ما هي إلا خطوات قليلة حتى قفزت أمامي أسئلة ملحة متوالية عن سر
الجواز ..
سرت الظنون السيئة برأسي واستقر الرأي أن صاحبي يخشى أن أعلم
إلى أي البلدان طار وسار ..
شعرت بسياط الخيانة تلتهب داخلي وأنا أتصفح جواز صاحبي صفحة صفحة
واقرأ كل ما فيه حرفا حرفا علني أجد تفسيرا لاشتراطه الغريب ..
ما بدا غريبا حقا حينها لي أن جواز صاحبي الذي مضى على إصداره ثلاث
سنوات خال تماما من التأشيرات وأن هذه السفرة هي أول سفراته به !
بعد أن تجاوزنا المركز الحدودي لم أستطع الخلاص من قلقي وارتيابي ..
وفي لحظة من لحظات سكون الأجواء وصفاء الأمزجة استجمعت قواي
وسألته بحزم : ماذا تخفي في جوازك عني ؟!
ارتج كأس الشاي من يده وسقطت منه قطرات لذعت شفته وبللت ثوبه ..
وعلى نحو مفاجىء خفف سرعة السيارة منتحيا بها جانب الطريق ..
صمت برهة ثم التفت نحوي بوجه اختلط فيه الغضب والخجل وهو يقول :
والله العظيم لو أخبرت أحد من زملاء العمل باسم أمي فلا تلوم إلا نفسك
ملأت حيز السيارة ضحكا وقهقهة أنا أردد : يا ولد حصة .. يا ولد حصة !
لست أدري ما الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا المستوى في التعامل مع
اسم الأنثى < عموما > ؟!
وكيف ترسخ في أذهان الكثير < خاصة من الأطفال والشباب > أن معرفة
الناس لأسماء أمهاتهم تنقص من أقدارهم وتفتح الباب لانتقادهم ؟!
نحن بحاجةإلى تأكيدات تاريخية تربوية في إعلامنا وتعليمنا على أدوار الأم
المتنوعة مدعومةبسير أجلاء وأعلام لقبوا بأسماء أمهاتهم أو جداتهم
كالصحابي الجليل ابن الدغنة ، والملك المنذري ابن ماء السماء , والمحدث
الشهير ابن ماجة , والعالم الفقيه ابن تيمية , واللغوي النحوي ابن سيدة
والشاعر الفارس ابن حلزة وغيرهم وغيرهم ممن خصص المصنفون
لأمثالهم العديد من المعاجم
كما أننا بحاجة إلى إشارات علمية منهجية في كتاباتنا ومؤلفاتنا على أن
سيرة أي خليفة أو ملك أو أمير أو قائد أو علم .. على امتداد التاريخ لم تخل
من اسم الأم ومكانتها وفضلها وشرفها ..
كيف لا يكون للأم كل ذلك وأكثر وهي المدرسة الأولى في الحياة ؟!
< الام مدعاة للفخر .. لا للخجل >