البنك المركزي بين مطرقة النواب وسندان البنوك

سهمك اخضر

عضو نشط
التسجيل
22 أكتوبر 2009
المشاركات
9,427
الإقامة
الكويت
حمل جديد ثقيل على ظهره
البنك المركزي بين مطرقة النواب وسندان البنوك


لم يكن ينقص بنك الكويت المركزي شرباكة جديدة حتى يلقون على عاتقه حمل اعداد قانون او تصور لتمويل «شركات التنمية». فالذي فيه يكفيه من تداعيات الازمة التي اتت على بعض مكتسبات القطاع المالي، اذ هو يفيق ويصحو على علاجات لم تؤت كلها ثمارها بعد، لأن وحدات لا يستهان بها في هذا القطاع في غرف الانعاش حتى اشعار آخر.
وفجأة وجد المركزي نفسه في معمعة سياسية ساد فيها «حوار فني» حول أحقية البنوك في ملف التمويل، مقابل نواب وسياسيين يمعنون في محاولات سحب البساط من تحت أرجل القطاع الخاص عموماً والبنوك خصوصاً.
والحمل الجديد الذي ألقي على ظهر «المركزي» ثقيل بحسب النتائج الاولية للتجاذبات الحاصلة سواء في الشأن الفني او الامر السياسي.
ويقول مصدر مالي: لا يكفي القول باعطاء صنع الخبز للخباز حتى تستوي الامور وكأن شيئاً لم يكن. فالقول ان «المركزي» المكان الصحيح والنهائى لحسم ملف التمويل لا يطعم خبزاً خالصاً من الشوائب في بلد مثل الكويت يختلط فيها الحابل السياسي بالنابل الاقتصادي.
ويضيف: لنا في قانون الاستقرار المالي اسوة غير حسنة. فالقانون صدر تحت ضغوط سياسية بتهويل بالويل والثبور وعظائم الأمور بأدبيات استخدمت فيها اسلحة نيابية ثقيلة ضد من اطلق عليهم اسم «الحيتان» فالمتابع عن كثب وفي الكواليس يعرف ان الشكل الأول للقانون تغير كليا وحذفت منه مواد اساسية فخرج بصيغة نهائية لا تغني ولا تسمن من جوع بالنسبة لعدد كبير من المتعثرين، كما ان ملف قروض الافراد افرز معطيات جديدة كليا شكلت سابقة في الكويت. فبعدما كانت السياسة النقدية والمصرفية شبه محمية من النقد والتجريح.. أتت تلك الازمة (قروض الافراد ومخالفاتها) لتفتح عهدا جديدا بتوجيه سهام النقد النيابي الصريح للبنك المركزي الذي لطالما كان نافيا لوجود ازمة في تلك القروض، فاذا بالصورة النهائية تخرج علينا خلاف ذلك وفقا للمنظورالنيابي والشعبوي على الاقل.
من ازمة قروض الافراد مروراً بالازمة المالية ووصولا الى تداعياتها المستمرة والبنك المركزي يجد نفسه يوما بعد يوم في عين الاعصار ومطلوب منه اجتراح الحلول، ففي الازمة الاولى انتهى المطاف بحل سياسي الى صندوق معسرين بمليار دينار، وفي الازمة المستمرة فصولا خرج قانون الاستقرار الذي لم يستفد منه احد بعينه حتى الآن، وها هو المركزي يجد نفسه مجددا في خضم قضية شائكة جديدة لا يحسده عليها احد، وفي عويص المشكل الجديد يمكن ذكر الآتي:
1 بدأ رأس الازمة يطل بقرونه عندما رفض بنك الكويت المركزي طلب بنوك قبول حوالات حق المقاولين ضمن الضمانات المقبولة، والرفض جاء مشفوعا بحجج عن امكان تعثر المشروع او تأجيله او اي عائق اخر يعترض سيره مما يفرض مخاطر على البنوك عدم تحملها.
2 تفاقم التباين في وجهات النظر، عندما رفض «المركزي» صراحة مطالب مصارف بضمانات حكومية لمشاريع ومقاولين. وادلى بتصريح، من احدى تصريحاته «الكثيرة»، يقول فيه «طلب الضمانات غير عملي ويعد امرا غير مألوف، ولا يستند الى منطق، ويخرج عما جرى عليه العمل المصرفي في تمويل مثل هذه المشروعات.. ونعتقد انها مجرد افكار لا يدعمها رأي سديد» (انتهى الاقتباس).
3 لوهلة اولى، يعتقد المتابعون ان لدى «المركزي» ادوات اخرى يمكنه استخدامها في قضية تمويل المشروعات والشركات التنموية، وذلك استنادا الى قانون النقد والتسليف الذي يمحض «المركزي» صلاحيات واسعة جدا بإصدار تعاميم وضوابط تغني عن صياغة واعداد اي قانون جديد. وهناك من يشد بحبل كهذا حتى لا يخرج علينا قانون جديد (لزوم ما لا يلزم) يضاف الى قوانين اخرى في ما يشبه ازدواجية غير حميدة.
لكن القضية المستجدة أعقد من حلها بالتبسيط الآنف الذكر، لانها باتت سياسية بالدرجة الاولى، ويتصدى لها بالمرصاد نواب يصرون على قانون يأتيهم، ويستبقونه مهددين ومتوعدين إذا سارت القافلة باتجاه غير ما يشتهون، مما يضع سيفاً مصلتاً على رقبة {المركزي}.
4 على عاتق البنك المركزي الآن اقتراح حلول تمويلية لشركات سميت «تنموية» لا يعرف عنها الشيء الكثير، ولا يعرف ما جدواها ولماذا تقوم واي التدفقات النقدية سيتولد منها، ومن سيديرها وكيف. فخطة التنمية التي أُقرت بقانون نصت على قيام 11 شركة (%50 للحكومة والقطاع الخاص و%50 اكتتاب عام للمواطنين) في قطاعات الاسكان والكهرباء والمواصلات والاستشفاء وغيرها من القطاعات. فمن يعمل حاليا على قانون او تنظيم لتمويل هذه الشركات وجد نفسه مع العربة قبل الحصان، علماً ان مصرفيين يؤكدون قلة جدوى تأسيس هكذا شركات فرضت على الجميع نقاشا ما كان يجب ان يثار اصلا. ويقول مصرفيون: بنيت الكويت وعلى مدى 50 سنة بكل بناها التحتية من دون شركات كالتي يسعون اليها الآن لاغراض سياسية. ربما يريدون توزيع اسهم مجانية على المواطنين فتفتقت اذهانهم عن اختراع جديد اسمه شركات التنمية، لكن الشكوى آنفة الذكر لا تقدم ولا تؤخر كثيرا، لان الخطة اقرت بقانون والجميع امام معضلة التنفيذ، لذا يجد البنك المركزي نفسه ليس امام قضية تمويل مقاولين كما اعتقد البعض في بداية الامر، بل امام قضية تمويل شركات ثمة خلاف حول جدوى قيامها اساسا.
5 كما عادته، ينأى بنك الكويت المركزي بنفسه عن التنسيق مع المصارف في قضية جدلية كالتي نحن بصددها. فهو، ومن منطلقه، يمارس دوراً رقابيا وتنظيميا وتشريعيا لا يأخذ في الحسبان اي اعتبارات للسوق ومصالحه.
وكان عمل على هذا المنوال عندما وضع قانون الاستقرار المالي الذي لم يرض مصرفيين معروفين بوجهات نظرهم الواضحة والمحددة في كيفية العلاج. وهناك مؤشرات الآن على نأي «المركزي» عن تأثيرات اهل السوق علما ان هؤلاء يقولون: «نحن اهل الصبي.. ومن غيرنا يعرف كيف يربيه ليكبر ويترعرع!!».. لذا فإن عدم التنسيق يلقي عبئا اضافيا على السياسة النقدية والمصرفية التي وجدت نفسها بين نارين مع ارجحية خوف من نار النواب
6 ربما لا يخرج «المركزي» بقانون جديد، لكنه اذا اضطر لذلك فسيجد نفسه مجددا أمام معضلة كالتي واجهته في قانون الاستقرار المالي، لاسيما في الجزء الخاص بتحفيز التمويل للقطاعات المنتجة التي خصص لها 4 مليارات دينار في مدى سنوات قليلة. لكن ذلك الجزء لم يكتب له النجاح وفقا لمعادلة السوق الائتماني المعروفة من «أهل الصبي» أي البنوك.
وقد يجد المعنيون أنفسهم أمام 3 قوانين تنظم التمويل: قانون النقد والتسليف وكل إجراءاته وتعاميمه المستمرة منذ عشرات السنين، قانون الاستقرار المالي وتشريع جديد قد يسمى قانون تمويل شركات خطة التنمية.. ومن يدري ربما نحتاج لاحقا لتشريع آخر لأغراض يعرفها النواب ولا يعرفها أحد سواهم، وهكذا دواليك في خلط للسياسي بالفني الى ما شاء الله.
7 أعان الله المحافظ في مهمته الجديدة. فويل اذا اتهموه بتعيطل التنمية، وويل اذا اتهموه بنصرة البنوك، وويل اذا عبث نواب بنصوصه، وويل اذا رضخ لنواب، وويل اذا تعارض مع اطراف حكومية أخرى، وويل اذا لم يشعر أن هناك ويلا.
 
أعلى