لا تعجب! فقد رباه ربه فأحسن تربته عليه صلاة ربه وسلامه

التسجيل
26 أكتوبر 2006
المشاركات
75
اللقاء الثامن عشر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فهذه وقفات في أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم التربوي وخطابه الدعوي ومنهجه التعليمي الذي اتسمت به شخصيته العظيمة.

وهي وقفات تجلي سمو أدبه ورقي حواره وعذوبة أسلوبه وحسن تربيته وجودة تعليمه، انتظمت بتسع وقفات، فيا لعظم حظ من تأملها واقتبس من أنوارها ونهل من خيراتها وبركاتها، لأن زينة الرسول الأكرم وحلية التي زينه ربه بها عليه من الله أزكى صلاة وأتم تسليم.

الوقفة الأولى: حسن أدبه في الحوار

كان عليه الصلاة والسلام مؤدبا في حواره ومهذبا في ألفاظه، يحترم من يحاوره، ويقدره، ويعطيه حقه، ويعترف بمنزلته، فلا يخاطبه إلا بالعبارات اللائقة، ولا يناديه إلا بالألقاب المستحقة.

كان عليه الصلاة والسلام يلتزم في حواره القول الحسن والكلام اللين، ويجتنب القول الغليظ، لأن الناس تنفر بطبعها من الفظ الغليظ قال تعالى " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك".

وقد زان ذلك أيضا بحسن استماعه لمحاوره، فقد كان ينصت له ويقبل عليه بوجهه وعينيه، ولا يقطع حديثه حتى يكون هو من ينهي الحديث. قال عمرو بن العاص:" :" كان رسول الله يقبل بوجهه وحديثه على شر القوم يتألفهم، وكان يقبل بوجهه وحديثه علي حتى ظننت أني خير القوم".

كان عليه الصلاة والسلام ينصت بحلم، ويستمع بتؤدة وهدوء، فلا تستفزه التوافه، ولا تثيره السفاهات، راجح إن طاشت الأحلام كالطود الأشم، لا يضيق بسفه سفيه ولا بجهل جاهل.

وشاهد ذلك شواهد نكتفي منها بواحد، وأي واحد! شاهد تجلت فيه سماحته وظهرت فيه حكمته وسما فيه أدبه وبرز فيه جمال أسلوبه،،،

قال قائل قريش : يا معشر قريش إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيله .. قد كان محمد غلاما حدثا فيكم .. أصدقكم حديثا وأعظمكم أمانة .. حتى إذا رأيتم الشيب في صدغيه قلتم ساحر كاهن شاعر مجنون .. والله ما هو بذلك فانظروا في شأنكم .

فأجمعوا رأيهم على أن يفاوض ويغرى بالدنيا والنساء وانتدبوا لتلك المهمة أبا الوليد بن عتبة ..

فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا محمد أنت خير أم هاشم ؟! أنت خير أم عبدالمطلب ؟! أنت خير أم عبدالله ؟! فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم. بل تركه ليكمل حديثه، مع أنه استفهام استفزازي
فقال أبو الوليد: إن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك .. فقد عبدوا الآلهة التي عبت .. وإن كنت تزعم أنك خير منهم .. فقل حتى نسمع قولك .. والله ما رئينا سخلة أشئم على قومه منك .. فرقت جماعتنا .. وعبت ديننا .. وفضحتنا ..

انظر كيف انتقل إلى أسلوب الشتم والسب والإساءة، ومع ذلك لم ينشغل النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الاستماع بهذه الاتهامات والشتائم الموجهة إليه، بل لم يقاطعه للرد على تهمه وأباطيله.

ثم ألقى إغراءاته وقال : يا محمد إن كنت تريد مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا .. وإن كنت تريد شرفا سودناك فلا نقطع أمرا دونك .. وإن كنت تريد ملكا ملكناك .. وإن كان شيئا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب حتى نبرئك .. وإن كنت تريد النسا فاختر من أجمل نساء قريش عشرا .. يا محمد قل نسمع ..

فلوا كان الحديد للينوه ** ولكن كان أشد من الحديد

أحسن الاستماع لكلام عتبة فلم يبادر بقطع حديثه ولم يبدأ بحديثه حتى تأكد من انتهاء عتبة من حديثه،،،

فقال عليه الصلاة والسلام لعتبة في أدب النبوة يكنيه : أفرغت يا أبا الوليد ..؟ ناداه بكنيته حتى يرقق قلبه ويفتح عقله للاستماع إليه.
قال : نعم ..!

فأعلن موقفه الحاسم بشجاعة نادرة وقذف باطلهم بأوائل فصلت حم{1} تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ{2} كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ{3} بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ{4} ) ..

سمع هذه الآيات فألقى يده خلف ظهره وقد فغر فوه مأخوذا بسلطان القرآن
ولما بلغ قول الله ( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ) .. هب عتبة مذعورا قد خيل إليه أن الصاعقة حلت به .. فأمسك بفم النبي صلى الله عليه وسلم يناشده الله والرحم إلا صمت .. فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ..

انقلب عتبة إلى قومه فلما راؤه قالوا : نحلف بالله لقد جاءكم بغير الوجه الذي ذهب به

بادروه .. ما وراءك يا أبا الوليد ..؟؟ فقال : ما هو والله إلا أن جئته فعرضت عليه ما عرضت .. ثم سمعت منه قولا والله ما سمعت مثله قط ..! والله ما هو بالسحر ولا بالكهانة ولا الشعر ما فقهت إلا قوله .. ( أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ) فأمسكت بفيه وناشدته أن يكف .. ولقد علمتم أن محمد إذا قال شيئا لم يكذب .. يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي وخلوا بين هذا الرجل وما هو فيه .. والله ليكونن قوله بالذي سمعته نبأ عظيم .. قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد ..!!

فانظر إلى عظيم أثر حسن الحوار وجمال الأدب والتعقل في الرد والتزام الحلم والأناة في ظهور الحق ورد الباطل وانتصار المبدأ وعزة الدين، بل وفي كف شر الخصوم اللد وصرف أذاهم عن الدعوة وأتباعها.

الوقفة الثانية: تميز خطابه بجوامع الكلم

بل هو من جوانب الإعجاز في كلامه، فقد أمده الله بجوامع الكلم، وهو اجتماع الكلام ودمجه وقوة سبكه مع قلة ألفاظه ووفرة معانيه وخلوه من التكلف.

فالإيجاز كان من طبع كلامه، والجوامع غلبت على جمله.

فتأمل في هذه القطعة المختارة من جوامع كلمه، وانظر إلى ما وراءها من معان متسعة، ثم تأمل إحكام بنائها وضبط مدلولها، ثم تأمل تقسيمها وتناسقها، لتعلم حينها أن الله إنما أمده بها لتكون ردءا لنبوته وعلما لرسالته، فمن تلك الجمل البديعة والألفاظ الأنيقة

1- " سلو الله اليقين والعافية" تامل هذه الوصية الجامعة تجدها محيطة بخيري الدنيا والاخرة، وذلك أن ملاك أمر الآخرة اليقين، وملاك الدنيا العافية، فكل طاعة لا يقين معها هدر، وكل نعمة لم تصحبها العافية كدر.
2- عن الحسن قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك إلى ما لا يريبك،،، كلام بين فصل جامع موجز اشتمل على معان واسعة الأمداد والآفاق، وهو أصل في الورع وترك المشتبهات، وفي هذا راحة النفس وطمأنينة القلب.
3- إن الصبر عند الصدمة الأولى،،، ففيه كناية عن أول هجمة المصيبة عندما تهتز النفس ويكون تأثير المصيبة في ذروته فهناك يعظم أجر الصبر، فما يفاجي الإنسان وهو غافل أعظم إيجاعا لنفسه مما يطرقه وقد أخذ له أهبته وأعد له عدته.
4- المؤمن من أمنه الناس والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه،، فيه ضروب من البلاغة والفصاحة لو تتبعها المتتبع لألف منه مجلدات.
5- إنما الأعمال بالنيات،،،
6- تميم بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم،،، فبأخصر عبارة وأفصح بيان جمع بين خيري الدنيا والاخرة،، فجل الدين وعماده قائم على النصيحة.
7- المؤمن للمؤمن للبنيان يشد بعضه بعضا،، في هذه الجملة تناسق وترابط يجعلها كالقطعة الواحدة،،،
8- عن ابن عمر أنه قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس لبيانهما فقال صلى الله عليه وسلم : إن من البيان لسحرا،،، أن من البيان ما يحل من العقول والقلوب في التمويه محل السحر فكما أن الساحر بسحره يزين الباطل في عين المسحور حتى يراه حقا فكذلك المتكلم بمهارته في البيان وتقلبه في البلاغة وترصيف النظم يسلب عقل السامع ويشغله عن التفكير فيه حتى يخيل إليه الباطل حقا فتستمال به القلوب كما تستمال بالسحر
9- استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك
10- ابدأ بمن تعول
11- لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين،،،
12- اليد العليا خير من اليد السفلى. فهذا والذي قبله لم يسمع من العرب قبله ولم يوجد في متقدم كلامها وفي ذلك بيان قدرته الفائقة على الاشتقاق في اللغة وهي منزلة لا يبلغها إلا من لانت له اللغو وخضعت للسانه.
13- هدنة على دخن وجماعة على أقذاء،،، دخن: فساد واختلاف، أقذاء: اجتماع على فساد القلوب.
14- الخيل معقود في نواصيها الخير،،
15- من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه
16- الناس معادن كمعادن الذهب والفضة
17- الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر،،
18- زر غبا تزدد حبا،،،
19- من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه،،
20- المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور
21- الحرب خدعة
22- ليس الخبر كالمعاينة
23- لن يشاد الدين أحد إلا غلبه
24- المؤمن مرآة المؤمن
25- ما قل وكفى خير مما كثر وألهى
26- تنكح المرأة لمالها وجمالها ودينها وحسبها فاظفر بذات الدين تربت يداك
27- من يضمن لي ما بين لحييه ورجليه أضمن له الجنة
28- شر ما في الرجل شح هالع وجبن خالع،، فيه من البلاغة ما لا يقدر على مثله أحد،،
29- أد الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك
30- حسن العهد من الإيمان
31- منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا
32- كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
33- ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه
34- صنائع المعروف تقي مصارع السوء
35- المرء مع من أحب
36- المجالس بالأمانة
37- استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود
38- الدال على الخير كفاعله
39- نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ
40- ليس شي أفضل من ألف مثله إلا الإنسان
41- بيت لا تمر فيه جياع أهله
42- البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس
43- الجماعة رحمة والفرقة عذاب
44- خير الناس أنفعهم للناس
45- خير الناس خيرهم قضاء
46- قيد وتوكل
47- الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة
48- المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم
49- مطل الغني ظلم
50- المستشار مؤتمن

فهذا البيان وجمال الكلام وجوامعه من خصائص نبوته عليه الصلاة والسلام،،،، والحديث عن ذلك يطول وفي الإشارة ما يغني عن العبارة.

الوقفة الثالثة: رفقه عليه الصلاة والسلام بالمتعلم

كان النبي صلى الله عليه وسلم أجل معلم وأعظم مرب، سهل هين قريب من المتعلمين، رفيق بالمخطيء ورحيم بالجاهل، لم يعنف أحدا، ولم يكفهر في وجه سائل، لا يقابل الجفاء بالغلظة، ولا الفظاظة بالقسوة، بل يحسن إلى المسيء ويتجاوز عن الفظ الغليظ، فاستلب بذلك قلوب الناس، فانشرحت صدورهم لكلامه وانقادت قلوبهم إلى أوامره.
يصلي معاوية بن الحكم معه، فعطس رجل من القوم، فقال معاوية: يرحمك الله، فرماه القوم بأبصارهم، فقال: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فعرف معاوية أنهم يصمتونه فصمت، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته دعاه، يقول معاوية" فوالله ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما ضربني ولا كهرني ولا سبني، وإنما قال إن الصلاة لا يصلح فيها شي من كلام الناس هذا إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن".

وليس بعيدا عنا حديث الأعرابي الذي بال في المسجد، يقول أنس: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد وأصحاب رسول الله يصيحون به: مه مه، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزرموه دعوه، فتركوه يقضي بوله، فلما فرغ دعاه رسول الله فقال له" إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر إنما هي لذكر الله والصلاة والقرآن"، ثم التفت إلى أصحابه فقال لهم" إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، صبوا عليه دلوا من الماء،،،، لما رأى الأعرابي هذا الرفق والبشر قال" اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا"، فقال رسول الله" لقد تحجرت واسعا".

الوقفة الرابعة: تواضعه عليه الصلاة والسلام مع المتعلم

نال عليه الصلاة والسلام أسمى المنازل، وحظي بأعلى المقامات، فهو رسول الله، اختاره الله واجتباه، وهو خاتم النبيين وإمام المرسلين، وسيد ولد آدم، وهو صاحب الحوض المورود واللواء المعقود والمقام المحمود، أسري به إلى السموات العلى حتى انتهى إلى سدرة المنتهى، أنعم الله عليه بالمعجزات وأيده بالآيات، فلم يتعال على أحد، بل كان خافض الجناح، لين الجانب، يعلم الصغير والكبير والوضيع والشريف والعبد والحر، يعلم كل من يبغي العلم من غير التفات إلى سنه أو جنسه أو مركزه الإجتماعي، يقطع خطبته لتعليم جاهل أو رد على سؤال سائل، وتأخذ الأمة بيده فيجيب على سؤالها ويقضي حاجتها، في تواضع جم وخلق أتم.

يروي انس أن امرأة كان في عقلها شيء فقالت يا رسول الله إن لي إليك حاجة، فقال: يا أم فلان، انظري أي السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك، فخلا بها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها.

الوقفة الخامسة: تأثيره عليه الصلاة والسلام بالقدوة الحسنة

كان عليه الصلاة والسلام خير معلم، كان قدوة حسنة لأصحابه ولأمته" لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة"، إذا أمر بشي كان هو أول من يأتيه، وإذا نهى عن شيء كان أول من يجتنبه، وهذا أبلغ ما يكون في التأثير في نفوس المخاطبين.

يدل لذلك حادثة الحديبية، فعندما صالح المشركون المسلمين على شروط معينة، منها: أن يرجع المسلمون من عامهم هذا، ويعتمروا في عامهم المقبل، فلما فرغ النبي من الصلح قال لأصحابه:" قوموا فانحروا ثم احلقوا"، يقول الراوي: فوالله ما قام منهم رجل واحد، قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد، دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة يا رسول الله أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك فقام فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا".

الوقفة السادسة: حكمته عليه الصلاة والسلام في معالجة الأخطاء

كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن معلم، يعالج الأخطاء بتؤدة وحكمة، لا يشهر بالمخطي ولا يحرجه، ولكن ينبهه بالتعريض والإيماء والإشارة ليكون ذلك عونا له على الرجوع وتصحيح الخطأ، ولكي لا يستغلها ضعاف النفوس في تعييره والتنقص منه،،،، وهذا منهج ارتسمه في حياته التعليمية، ويعد اليوم من دقائق صناعة التعليم.

وشواهد ذلك كثيرة، منها قصة الثلاثة الذين تقالوا عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أنس رضي الله عنه أنه قال:" جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا أين نحن من رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر وانا أعتزل النساء فلا أتزوج، فبلغ ذلك النبي فقام فحمد الله وأثنى عليه فقال:" ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".


الوقفة السابعة: تحين الأوقات المناسبة للتعليم

كان ذلك من سمات منهجه عليه الصلاة والسلام، فكان يتخير الأوقات التي يكون المتلقي فيها مهيئا للسماع، ولا يكثر الحديث كيلا يملوا.

يقول ابن مسعود رضي الله عنه:" إني لأتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا".

كان يعلم أصحابه أحيانا وهو على ناقته، يقول عبدالله بن عمرو لقد رأيت النبي وهو واقف على ناقته في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فما سئل عنشيء قدم أو أخر إلا قال افعل ولا حرج".

الوقفة الثامنة: الجمع بين الأسلوب العقلي والتأثير العاطفي

وهذا أسلوب امتاز به خطاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الإقناع أحيانا يتطلب حوارا عقليا هادئا، تحفه العاطفة والأسلوب الرقيق، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستخدمه أحيانا لإقناع من لا يقتنع إلا بهذا الأسلوب.

جاءه شاب فاستأذنه في الزنا قال يا رسول الله ائذن لي في الزنا فأقبل القوم فزجروه وقالوا مه مه، فقال له ادنه فدنا منه قريبا، قال: أتحبه لأمك، قال لا والله جعلني الله فداك قال ولا الناس يحبونه لأمهاتهم قال أفتحبه لابنتك؟ قال لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك قال ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال أفتحبه لأختك قال لا والله جعلني الله فداك قال ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال أفتحبه لعمتك قال لا والله جعلني الله فداك قال ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال أفتحبه لخالتك قال لا والله جعلني الله فداك قال ولا الناس يحبونه لخالاتهم، فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه"، يقول الراوي فلم يكن الفتى بعد ذلك يلتفت إلى شيء.

ثبت في البخاري عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ولد لي غلام أسود، فقال: هل لك من إبل؟ قال نعم، قال ما ألوانها؟ قال حمر قال هل فيها من أورق؟ قال نعم، قال فأنى ذلك؟ قال نزعه عرق، قال فلعل ابنك هذا نزعه عرق.

وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمي نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج، أفحج عنها؟ قال نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاصيته؟ قالت نعم، قال فدين الله أحق بالقضاء.

الوقفة التاسعة: تقديم البديل

كان عليه الصلاة والسلام ينطلق في تعليمه ودعوته من مبدأ سام، وهو قوله تعالى" وما جعل عليكم في الدين من حرج"، فكان إذا ذكر لأمته شيئا ممنوعا فتح لهم بابا وقدم لهم بديلا، وهذا من حسن تعليمه وتمام رحمته، وهو أسلوب قرآني، ومنه قوله تعالى" يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا"، فحينما نهاهم عن القول الممنوع" راعنا"، ذكر لهم القول الجائز" انظرنا".

ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه جاءه بلال بتمر من خيبر، فقال أكل تمر خيبر هكذا؟ فقال لا ولكنا نشتري الصاع من هذا بالصاعين من الرديء، فقال لا تفعل ولكن بع الجمع بالدراهم ثم اشتر بالدراهم جنيبا".

وللحديث بقية،،،،
 

الناصح ___

عضو نشط
التسجيل
4 أكتوبر 2006
المشاركات
336
السلام عليكم

دكتور نايف العجمي المحترم

هل انت اللي تطلع في الاذاعة في برنامج تباشير الصباح

لاني اشوف الاسلوب واحد

الله يزيدك من علمه

وتقبل تحياتي
 
أعلى