العفن" أزكم الأنوف يا وزيري المال والتجارة!
كثيرة الأسئلة التي تدور في خلد المواطنين عما يمكن اعتباره اكتشافا متأخرا جدا للوضع المتردي الذي بلغته سوق الأوراق المالية, هذا الذي وصفه, اخيرا, وزير التجارة بـ "العفن" وأيده في ذلك وزير المالية, وان كان استخدم مصطلحا مشابها, وحتى بالعودة الى تصريحات محافظ البنك المركزي نجد الامر نفسه, فالمسؤولون الثلاثة حملوا البورصة مسؤولية ما يحدث, والمؤسف انهم اكتشفوا ذلك متأخرا فمنذ بدأت الازمة الاقتصادية العالمية قبل سنتين وحتى قبل ذلك كانت الصرخات المؤلمة تصدر بين الحين والاخر من السوق, لكن المسؤولين صموا آذانهم عنها, وهاهم يكتشفون الامر متأخرا, أليس ذلك قصورا من وزارتي المالية والتجارة ومعهما البنك المركزي الذي هو بنك البنوك المفترض انه خزانة اسرار المصارف ويطلع يوميا واسبوعيا وشهريا على كل عملياتها, وبالتفصيل؟ أليس هذا القصور الواضح جدا يطال المؤسسات الثلاث؟
ألم يكن بامكان البنك المركزي او وزارة المالية او وزارة التجارة والتي لم نعد نعرف من لديه الصلاحيات المناسبة منها نتيجة تداخلها الشديد, ان يسمعوا الصرخات التي كانت تملأ سماء الكويت وتحذر مما ينتظر البورصة? ألم تكن المبررات تثبت التخبط في المعالجات, فمرة يقال ان السبب شح في السيولة, ومرة اخرى تفريخ الشركات الوهمية, وثالثة التلاعب في الاسهم, ورابعة نقل الاموال بطريقة غير مطمئنة, لكن ما يثير الأسى ان كل ذلك كان مصدر الالم والصراخ منذ قبل الازمة المالية العالمية, وكنا نسمعها بوضوح ولكن نسكت عنها, بل نقول ان الحال باتت افضل مما كانت عليه. وقد المحنا في السابق الى مسار وزارتي المالية والتجارة والبنك المركزي, واسدينا النصائح الكثيرة لكن كان يتهم كل ناصح بأنه صاحب مصلحة, ولا يلتفت الى نصائحه وينتهي الامر عند هذا الحد.
القيادة السياسية وسمو رئيس مجلس الوزراء يسمعون انين الناس, ويسمعون التحذيرات ودائما يطالبون بالحلول والاسراع بها قبل ان تقع الكارثة, فتشكل اللجان, وتجتمع, وتتوقف عن الاجتماعات اذا عانى محافظ البنك المركزي من وعكة صحية او اذا انشغل وزير المالية بأسئلة النواب, أو بصد الهجمات والتلويحات باستجوابه واذا انتصر في معركته عادت اللجان الى العمل, لتتوقف مرة اخرى عند غياب وزير التجارة الذي ينتظر امرار قوانين يتصارع عليها مجلس الامة, وبعد التي واللتين ومضي سنتين, وبعد تعديلات وفق أمزجة ومصالح بعض النواب على القوانين تلك, لم نصل الى حل ناجع بعد.
اذا كانت الحلول هي اكتشاف العفن بعد ان ازكمت رائحته الانوف, فلابد لنا من التذكير ان هذه الرائحة ازكمت الجميع من قبل أن تقع الازمة الاقتصادية العالمية, لكن يبدو ان حاسة الشم الرسمية تتأخر في اكتشاف الكوارث والمصائب, التي بامكانها ان تعرف كل صغيرة وكبيرة في لحظة حدوثها, وكما اسلفنا ان البنك المركزي يعرف كل شيء أولا بأول, الا ان الحقيقة لابد ان تقال, وهي ان كل ما كنا نشاهده قبل الازمة عبارة عن تصارع ارادات وصراع ديوك, والجهات المختصة كانت تنتظر لترى من سينزف دما اكثر, حتى تبدأ حفلة التشهير به والحديث عن خصاله السيئة.
جيد جدا ان وزيري المالية والتجارة و محافظ البنك المركزي اكتشفوا العفن, ولو متأخرا لكن هل من حلول؟ وزير التجارة يتحدث عن حزمة اجراءات لمعالجة وضع سوق الاوراق المالية, ورغم كل ما حدث فان الوقت لم يفت بعد, ويجب ان توضع هذه الحزمة فورا موضع التنفيذ لان رحلة الالف ميل تبدأ بخطوة واحدة, ورغم ان وزارات الاختصاص بما فيها المالية والتجارة ومعها البنك المركزي خضعت كلها لابتزاز أنصاف المثقفين اقتصاديا من بعض اعضاء مجلس الأمة وكانت نتيجة ذلك القانون المسخ المسمى قانون الاستقرار الاقتصادي... رغم ذلك نقول ان ما جرى قد جرى, ويا ليت سمو رئيس مجلس الوزراء يشكل لجنة محايدة ليس بالضرورة ان تكون محلية, وانما عالمية, لتضع امامه الحقائق عن المعالجة غير السليمة التي اتبعت في السنتين الماضيتين, والتي كان يجب ان تكون افضل من ذلك بكثير, وخصوصا ان صاحب السمو أمير البلاد ومعه رئيس مجلس الوزراء كانا في حيرة مما يحدث في سوق الأوراق المالية العمود الفقري لأي تنمية مقبلة.
أحمد الجارالله