مليون دينار
عضو مميز
- التسجيل
- 18 مايو 2008
- المشاركات
- 11,008
الدكتور/ رياض الفرس
أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت
منذ أن أطلق سمو أمير البلاد دعوته لتحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري منذ عدة سنوات، أصبح الجميع يشدد على أهمية تحقيق هذه الرغبة السامية لسموه. لكن للأسف فقد تم بذل القليل من الجهد للتفكير في كيفية تحقيق هذه الرغبة على أرض الواقع. وأعتقد أن تحقيق هذه الرغبة يعتبر تحديا حقيقيا للحكومة ممثلة بسمو رئيس مجلس الوزراء وأعضاء حكومته، بالإضافة إلى أعضاء مجلس الأمة ورجال الأعمال. لنتحدث قليلا عن ماهو المركز المالي والتجاري ومدى أهميته وماهي مقوماته وماهي العقبات التي تعترض تحقيقه.
إن تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري يعني تحقيق هدفين مهمين ولكن مختلفين من حيث المقومات والأهمية. فالمركز المالي (على الأقل الإقليمي) يعني أن تكون الكويت مركزا للمستثمرين ورجال الأعمال العاملين في المنطقة للحصول على الخدمات المالية التي يحتاجونها لمزاولة أنشطتهم التجارية. والخدمات المالية تشمل العمليات المصرفية من قبول الودائع ومنح القروض وتحويل العملات، بالإضافة إلى الخدمات الاستثمارية كإنشاء الصناديق الإستثمارية وتسويق السندات وتقديم الإستشارات المالية، وكذلك خدمات التأمين المختلفة على الحياة والممتلكات. وأخيراً، وجود الأسواق المالية كأسواق الأسهم والسندات التي يمكن من خلالها توفير مصادر تمويل للشركات.
كل ذلك يحتاج إلى ما يسمى بالبنية التحتية المالية والتي تتكون من البنوك وشركات الإستثمار وشركات التأمين وشركات الإستشارات المالية. فإذا ما استطاعت الكويت أن تتحول إلى مركز مالي فإن ذلك يعني أن المؤسسات المالية سوف تستفيد بشكل كبير من خلال تقديم خدماتها المالية لشريحة أكبر من العملاء، تفوق العملاء في السوق المحلي والذي يتميز بصغر حجمه لأنه محدود بحجم الاقتصاد المحلي. كذلك سوف تحصل المؤسسات المالية الكويتية على فرصة أكبر للدخول إلى أسواق المال العالمية واكتسابها الخبرة ورفع كفاءتها من خلال العمل في بيئة أكثر تنافسية وأكثر تطورا. لكن السؤال المطروح هو: هل تملك الكويت مقومات المركز المالي؟ الإجابة نعم ولا. فمن ناحية عدد البنوك التي تبلغ ثلاثة عشر بنكا، فالعدد يعتبر قليل جدا مقارنة بالدول المجاورة التي يفوق فيها العدد مئة بنك، كالبحرين على سبيل المثال. أما من حيث شركات الإستثمار والتي يتعدى عددها ثمانين شركة، والتي تعتبر من أفضل الشركات على المستوى الأقليمي، فإن الكويت تمتلك ميزة نسبية تستطيع من خلالها منافسة الدول المجاورة من خلال قيامها بدور مركز استثماري لإدارة الأصول أو الثروات. أما شركات التأمين، بشقيها التقليدي والتكافلي، فتعتبر مناسبة من حيث العدد والخدمات مقارنة بالحجم المحدود للسوق المحلي. لكن المؤسسات المالية ليست المقومات الوحيدة للمركز المالي، فهناك دور مهم للبيئة التشريعية والتنفيذية والرقابية التي تلعب دورا مؤثرا في دعم وتعزيز أداء المؤسسات المالية. في الكويت هناك حاجة ملحة لإصدار وتعديل عدد من القوانين ذات الصلة بالنشاط المالي كقوانين الشركات، والضريبة، والعمل، وسوق المال، وإصدار الصكوك.
أما فيما يتعلق بالمركز التجاري، فيقصد به تحويل الكويت لممر أو قاعدة لنقل السلع والبضائع بين الدول، وذلك من خلال القيام بعمليات إعادة التصدير. وتحقيق ذلك يترتب عليه العديد من الفوائد للاقتصاد الوطني بشقيه الخاص والعام. فالقطاع العام يستفيد من الرسوم التي يحصل عليها من خلال تقديم الخدمات في مرافق البنية الأساسية من موانئ ومطارات ومراكز حدودية، ومن تنويع مصادر الدخل القومي من خلال تشجيع الأنشطة الاقتصادية في مجال الخدمات اللوجستية، كذلك توفير فرص العمل للمواطنين في القطاعين العام والخاص. أما القطاع الخاص فيستفيد من قيامه بتقديم الخدمات اللوجستية من نقل وتخزين وإدارة للمرافق كالمطارات والموانئ، وخدمات التأمين والتخليص الجمركي والتغليف، وغيرها من الخدمات. كذلك يسمح للقطاع الخاص بتجاوز عقبة محدودية حجم السوق المحلي للخدمات اللوجستية من خلال الإرتفاع الكبير في العمليات الناتجة عن قيام الكويت بدور المركز التجاري.
والسؤال مرة أخرى، هل الكويت مؤهلة لهذا الدور؟ الإجابة مرة أخرى هي نعم ولا. فالكويت نعم مؤهلة إذا كان الأمر يتعلق بدور القطاع الخاص الذي أثبت في السنوات الأخيرة جدارة فائقة في قدرته على تقديم الخدمات اللوجستية على جميع المستويات؛ المحلية ولإقليمية والدولية. فمعظم الشركات اللوجستية الكويتية تقوم بإدارة وتشغيل عدد من المرافق اللوجستية حول العالم وتقدم خدمات النقل والشحن والإمداد في العديد من الدول. أما الإجابة بلا فتتعلق بالبنية التحتية للخدمات اللوجستية، فهي بالغالب قديمة نسبيا وتعاني من العديد من المشاكل فيما يتعلق بالمرافق والمعدات من جهة، ومن الكفاءة الإدارية المتدنية من جهة أخرى. هذا بالإضافة إلى تقادم أوغياب القوانين التي تنظم النشاط التجاري في هذا القطاع الحيوي، وكذلك ندرة الأراضي الشاسعة والتي تعتبر المقوم الأساسي للنشاط اللوجستي.
الخلاصة، إن تحقيق الرغبة السامية غير ممكن في ضوء المعطيات الحالية، ولكن ليست مستحيلة إذا ما توافرت النية الجادة والإرادة السياسية لتحقيقها. فالرغبة تعتمد على مدى التعاون بين الثلاثة أطراف الأساسية في المرحلة القادمة؛ الحكومة، ومجلس الأمة، والقطاع الخاص. فلكل طرف منهم دور مهم في العملية، فدور الحكومة هو التخطيط والإشراف على التنفيذ، ودور مجلس الأمة التشريع والرقابة، ودور القطاع الخاص المبادرة والتنفيذ. لنتفاءل جميعا ونضع التجارب الفاشلة في المرحلة السابقة خلف ظهورنا وننطلق نحو تحقيق الرغبة السامية والتي هي رغبة الجميع
أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت
منذ أن أطلق سمو أمير البلاد دعوته لتحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري منذ عدة سنوات، أصبح الجميع يشدد على أهمية تحقيق هذه الرغبة السامية لسموه. لكن للأسف فقد تم بذل القليل من الجهد للتفكير في كيفية تحقيق هذه الرغبة على أرض الواقع. وأعتقد أن تحقيق هذه الرغبة يعتبر تحديا حقيقيا للحكومة ممثلة بسمو رئيس مجلس الوزراء وأعضاء حكومته، بالإضافة إلى أعضاء مجلس الأمة ورجال الأعمال. لنتحدث قليلا عن ماهو المركز المالي والتجاري ومدى أهميته وماهي مقوماته وماهي العقبات التي تعترض تحقيقه.
إن تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري يعني تحقيق هدفين مهمين ولكن مختلفين من حيث المقومات والأهمية. فالمركز المالي (على الأقل الإقليمي) يعني أن تكون الكويت مركزا للمستثمرين ورجال الأعمال العاملين في المنطقة للحصول على الخدمات المالية التي يحتاجونها لمزاولة أنشطتهم التجارية. والخدمات المالية تشمل العمليات المصرفية من قبول الودائع ومنح القروض وتحويل العملات، بالإضافة إلى الخدمات الاستثمارية كإنشاء الصناديق الإستثمارية وتسويق السندات وتقديم الإستشارات المالية، وكذلك خدمات التأمين المختلفة على الحياة والممتلكات. وأخيراً، وجود الأسواق المالية كأسواق الأسهم والسندات التي يمكن من خلالها توفير مصادر تمويل للشركات.
كل ذلك يحتاج إلى ما يسمى بالبنية التحتية المالية والتي تتكون من البنوك وشركات الإستثمار وشركات التأمين وشركات الإستشارات المالية. فإذا ما استطاعت الكويت أن تتحول إلى مركز مالي فإن ذلك يعني أن المؤسسات المالية سوف تستفيد بشكل كبير من خلال تقديم خدماتها المالية لشريحة أكبر من العملاء، تفوق العملاء في السوق المحلي والذي يتميز بصغر حجمه لأنه محدود بحجم الاقتصاد المحلي. كذلك سوف تحصل المؤسسات المالية الكويتية على فرصة أكبر للدخول إلى أسواق المال العالمية واكتسابها الخبرة ورفع كفاءتها من خلال العمل في بيئة أكثر تنافسية وأكثر تطورا. لكن السؤال المطروح هو: هل تملك الكويت مقومات المركز المالي؟ الإجابة نعم ولا. فمن ناحية عدد البنوك التي تبلغ ثلاثة عشر بنكا، فالعدد يعتبر قليل جدا مقارنة بالدول المجاورة التي يفوق فيها العدد مئة بنك، كالبحرين على سبيل المثال. أما من حيث شركات الإستثمار والتي يتعدى عددها ثمانين شركة، والتي تعتبر من أفضل الشركات على المستوى الأقليمي، فإن الكويت تمتلك ميزة نسبية تستطيع من خلالها منافسة الدول المجاورة من خلال قيامها بدور مركز استثماري لإدارة الأصول أو الثروات. أما شركات التأمين، بشقيها التقليدي والتكافلي، فتعتبر مناسبة من حيث العدد والخدمات مقارنة بالحجم المحدود للسوق المحلي. لكن المؤسسات المالية ليست المقومات الوحيدة للمركز المالي، فهناك دور مهم للبيئة التشريعية والتنفيذية والرقابية التي تلعب دورا مؤثرا في دعم وتعزيز أداء المؤسسات المالية. في الكويت هناك حاجة ملحة لإصدار وتعديل عدد من القوانين ذات الصلة بالنشاط المالي كقوانين الشركات، والضريبة، والعمل، وسوق المال، وإصدار الصكوك.
أما فيما يتعلق بالمركز التجاري، فيقصد به تحويل الكويت لممر أو قاعدة لنقل السلع والبضائع بين الدول، وذلك من خلال القيام بعمليات إعادة التصدير. وتحقيق ذلك يترتب عليه العديد من الفوائد للاقتصاد الوطني بشقيه الخاص والعام. فالقطاع العام يستفيد من الرسوم التي يحصل عليها من خلال تقديم الخدمات في مرافق البنية الأساسية من موانئ ومطارات ومراكز حدودية، ومن تنويع مصادر الدخل القومي من خلال تشجيع الأنشطة الاقتصادية في مجال الخدمات اللوجستية، كذلك توفير فرص العمل للمواطنين في القطاعين العام والخاص. أما القطاع الخاص فيستفيد من قيامه بتقديم الخدمات اللوجستية من نقل وتخزين وإدارة للمرافق كالمطارات والموانئ، وخدمات التأمين والتخليص الجمركي والتغليف، وغيرها من الخدمات. كذلك يسمح للقطاع الخاص بتجاوز عقبة محدودية حجم السوق المحلي للخدمات اللوجستية من خلال الإرتفاع الكبير في العمليات الناتجة عن قيام الكويت بدور المركز التجاري.
والسؤال مرة أخرى، هل الكويت مؤهلة لهذا الدور؟ الإجابة مرة أخرى هي نعم ولا. فالكويت نعم مؤهلة إذا كان الأمر يتعلق بدور القطاع الخاص الذي أثبت في السنوات الأخيرة جدارة فائقة في قدرته على تقديم الخدمات اللوجستية على جميع المستويات؛ المحلية ولإقليمية والدولية. فمعظم الشركات اللوجستية الكويتية تقوم بإدارة وتشغيل عدد من المرافق اللوجستية حول العالم وتقدم خدمات النقل والشحن والإمداد في العديد من الدول. أما الإجابة بلا فتتعلق بالبنية التحتية للخدمات اللوجستية، فهي بالغالب قديمة نسبيا وتعاني من العديد من المشاكل فيما يتعلق بالمرافق والمعدات من جهة، ومن الكفاءة الإدارية المتدنية من جهة أخرى. هذا بالإضافة إلى تقادم أوغياب القوانين التي تنظم النشاط التجاري في هذا القطاع الحيوي، وكذلك ندرة الأراضي الشاسعة والتي تعتبر المقوم الأساسي للنشاط اللوجستي.
الخلاصة، إن تحقيق الرغبة السامية غير ممكن في ضوء المعطيات الحالية، ولكن ليست مستحيلة إذا ما توافرت النية الجادة والإرادة السياسية لتحقيقها. فالرغبة تعتمد على مدى التعاون بين الثلاثة أطراف الأساسية في المرحلة القادمة؛ الحكومة، ومجلس الأمة، والقطاع الخاص. فلكل طرف منهم دور مهم في العملية، فدور الحكومة هو التخطيط والإشراف على التنفيذ، ودور مجلس الأمة التشريع والرقابة، ودور القطاع الخاص المبادرة والتنفيذ. لنتفاءل جميعا ونضع التجارب الفاشلة في المرحلة السابقة خلف ظهورنا وننطلق نحو تحقيق الرغبة السامية والتي هي رغبة الجميع