فضل
عضو مميز
كاتب سعودى يروى لنا حكاية سودانى ..،
عندما أدخل السوبر ماركت القريب من بيتي فإني سأراه
قابعا خلف ماكينة المحاسبة بجسمه النحيل وبشرته السمراء الفاتحة
وعمامته البيضاء الملفوفة حول رأسه الصغير
أحاديث < عثمان > لا تتعدى بلده السودان وعن أزمة < دارفور>
وعن حرب الجنوب ، وعن قريته التي تركها قبل سبع سنوات ليعمل في
رعي الغنم في الطائف لدى رجل بدوي لم ير أنه يستحق أكثر من
سبعمئة ريال في الشهر
ليهرب عثمان ويتركه بحثا عن مزيد من الريالات تحقق السعادة له ولأهله
عرفته عصبي المزاج
عندما يختلف مع زبون أو مندوب مبيعات فسيعلو صوته بكلام غير مفهوم
تتطاير منه الحروف دون ترتيب فيظل يقول كلاما مبهما
يظل يصرخ في الرجل الذي يسكت محاولا فك شفرة تلك الكلمات
والحروف المبعثرة !
كان سودانيا أصيلا ، فمنذ رأيته أول مرة وهو يرتدي الجلباب السوداني
والعمامة الثقيلة ، والحذاء ذا الجلد النمري ، ولم أر أنه تخلى عنها ذات يوم
حتى ظننته ولد بهم !
إضافة إلى عمله خلف الصندوق فهو يستقبل طلبات المنازل عبر الهاتف
صوت أجش وكلمات جافة ورد يجعل المتصل يفكر قبل أن
يعيد الاتصال مرة أخرى
لم يكن عثمان يهتم بنفسه ولا بشكله ، شعر لحيته متمرد على الدوم
فتجده دائما بارزا كأسلاك شائكة ، كما أنني اعتدت على أن أشم منه
رائحة تصنف ضمن الروائح غير المحببة
لم أكن رجلا يائسا ، ولم يعرف عني اليأس ، بل أنا متفائل لدرجة أن لدي
أمل بأن تحقق السعودية كأس العالم !
لكن لم يكن لدي أمل بأن عثمان سيتغير يوما ما
سارت الأيام والسنون والرجل يؤكد توقعاتي هذه
حتى جاء ذلك اليوم الذي جعلني أعيد النظر في توقعاتي
دخلت السوبر ماركت كعادتي ، لم أر العمامة التي اعتدت رؤيتها
خرجت لأتأكد من أن المحل الذي دخلته هو السوبر ماركت نفسه
ابتسم وناداني مطالبا أن أترك حركاتي المعتادة
فوجئت أن الرجل تخلى عن الجلباب والعمامة
وارتدى جينزا أزرقا وقميصا أبيضا ، صرخت به بعد أن هزمني بتغيره :
- ايش الحلاوة دي يا زول ..
- ايش رايك فينى ؟
- شياكة ما بعدها ..
رن هاتف المحل ليرد عليه بصوت ناعم ، كلمات الترحيب أولا ، ثم السؤال
بتودد عن الحاجة ، ثم يسجله في أدب جم
لم يتوقف عثمان عن هزيمتي بالضربة القاضية ، فقد كان كل يوم يأتي
بشيء جديد حتى ختمها بعطر فواح مثير ، أما أسلاك وجهه فلم تعد
شائكة ، فقد تحولت إلى ناعمة مرتبة ، أضافت له وسامة إلى سمرته
الجذابة
كنت شغوفا أن أعرف سبب كل هذا التغيير الجذري في شخصية إنسان
اعتاد حياة قاسية ، وصادق الأغنام لسبع سنوات ، لكني لم أجرؤ على جرح
مشاعره ، ولم تستطع شفتاه السمراوان على البوح بذلك السر المثير
كان اليوم يوم جمعة ، كنت قد اعتدت بعد صلاتها أن أراه في محله ، لكنه لم
يكن موجودا ، كان صديقه الآخر هو الموجود ، سلمت وسألت عنه
فأخبرني أنه طلب أن يذهب إلى كافيه انترنت ليتحدث مع خطيبته
عرفت من الصديق أن عثمان خطب طالبة جامعية مع أنه لم يكن يحمل
سوى شهادة الصف الثالث المتوسط ، كانت سعيدة به وبوسامته ، أخبرته
أنه سيكون وسيما أكثر لو ارتدى جينزا ورمى العمامة
زرعت فيه تلك الفتاة الرقة والرومانسية
أبدلت قاموسه الجاف بكلمات أخرى رقيقة
أخرجت منه روحا كانت غائبة تحت جلبابه الواسع
استطاعت أن تجعله يحلم كل ليلة بفتاة يلعب معها ويركض خلفها
بعد أن كانت أحلامه لا تتعدى أغناما بيضاء
يجري خلفها خوفا عليها من الضياع !
< قيل لأحدهم : أن إبنك عشق
أجاب : أي بأس به ؟ أنه إذا عشق نظف وظرف ولطف >