فضل
عضو مميز
كاتب سعودى تعرض لموقف مرعب
اليكم ما قال ..،
اليكم ما قال ..،
ذات خميس ، كنت ذاهبا إلى شرق الرياض ، حيث مستودعات مكتبة جرير
فقد نفد كتاب ارغب بشرائه من فروعها في مدينة الرياض ، و ابلغونى
بوجود بنسخ جديدة هناك بالمستودعات .
وصلت إلى مستودع جرير و كان المكان موحشا لا حياة فيه ولا مباني
سوى بعض المستودعات المتناثرة هنا و هناك
أوقفت سيارتي أمام بوابة تسليم الكتب
كانت الساعة تشير إلى الواحدة و خمسين دقيقة ظهرا
و بقي عشر دقائق على موعد فترة العمل الثانية للمستودع .
كنت قد أحضرت صحيفة تقتل ملل الانتظار تحسبا لهذه المواقف
و جلست في سيارتي أتصفحها ، أخبار دموية في افغانستان ، و مثلها في
فلسطين ، و جرائم قتل و سطو في كل مكان بقصص تقشعر منها الأبدان
و كأن الناس قد تحولت إلى وحوش كاسرة تنهش بعضها
فجأة وفي غمرة الاستغراق ، ظهر أمامي رجل ضخم الجثة
لا أدري من أين ظهر ، كان متسخ الثياب ، مفتول الشاربين ، شعر وجهه
غير مرتب ، رأسه كبيرة ، و قد اعتمر غترة وضع أطرافها على رأسه ، و شمّر
أكمامه عن ساعدين غليظين ، و شعر كثيف يغطيهما
كان منظره مخيفا لدرجة أن من يشاهده يصنفه من المجرمين العتاة و قد
هرب لتوه من سجنه العتيد
مشى يريد بوابة المستودع ، ثم انحنى على الأرض يلتقط أداة حديدية
ثم اتجه نحو آلة للمشروبات الغازية و وقف أمامها ، نظر إليها لثواني
ثم رفسها برجله رفسة قوية ، و كأنه يريد مشروبا بالمجان
اهتزت الآلة و لكن لم تستجيب له ، ألقى عليها نظرة غضب
ثم جال بنظره نحوي
أخذ يحدق في و كأنه أسد ينظر إلى فريسته
ثم تقدم نحوي بقدميه الثقيلتين
خطوة خطوة ، و كأن الأرض تهتز تحته ، وبنظرات كلها شر
كانت المسافة بيني و بينه خمسة أمتار تقريبا
فكرت في الهرب ، تراجعت قائلا : الهرب رسوب في الرجولة
لكني تراجعت مؤكدا أنه قد يكون هنا شجاعة متناهية ، فعزمت على ذلك
لكن يداي و قدماي تسمرتا تماما و لم أعد أحس بهما
نظرت يمينا و شمالا لعلي أجد أحدا لأصرخ و استنجد به و لكن لا أثر لأحد
اقترب مني أكثر ، و بدأ يتفقد وجهي
ودار أمام عيني شريط سريع لأعمالي في هذه الحياة ..
ثم تذكرت قصص الحوادث التي كنت أقرؤها و أسمعها لأناس سقطوا نتيجة
سرقة أو سطو ، و قلت في نفسي سيقرأ الناس قصة جديدة
قصة أنا بطلها رغما عني ولن أشاهدها رغما عني أيضا
اقترب مني أكثر بل وصل إلي ، ولا مفر من الهرب إذن
بدأ قلبي يخفق بشدة ، و صارت دقاته متسارعة
و كأنها تحصي الثواني المتبقية لي في هذه الحياة
أطل علي بوجهه الكبير من النافذة
وجه قبيح
و شفتان غليظتان
وعينان واسعتان
فيهما نقطتان سوداوتان تسبحان في بركتي من الدم
فلا أثر للبياض في عينيه !
سألني بصوت أجش كأنه رعد مزلزل : وش عندك هنا ؟
رديت عليه بتمتمات ولا أدري ماذا قلت !
عاد يسألني بصوته المجلجل : ليش واقف هنا ؟
فأدركت أنه لم يفهم تلك التمتمات
فقلت بصوت كسابقه : أريد مستودع مكتبة جرير
زادت نظراته حدة ثم صرخ : أنت .. من أنت ؟
أجبت بصوت مبحوح : أنا .. أنا مندوب الأمير فلان بن فلان
< و اخترت اسما رنانا > و جئت هنا كي أستلم كتب الأمير من المستودع
لا أدري كيف خرجت مني هذه الكلمات
لم أخطط لها ، بل خرجت عفوية
حتى الأمير لم أعد أتذكر لحظتها أحي يرزق أم هو من المقبورين
خفت أن يكون الأمير ميتا فيفضح الرجل أمري
لكنه نظر إلي نظرة فاحصة ، ثم تساءل : أنت تشتغل عند أمير ؟!
فقلت وقد اكتسبت ثقة بسيطة : نعم
عاد يسأل : و السيارة اللي معك سيارة الأمير ؟
قلت بثقة أكبر : كل ما تشاهده هو ملك له ، أطال الله في عمره
سكت قليلا ثم سألني : وش يشتغل الأمير ؟
قلت له : الأمير شاعر و مؤلف كبير ، و أنا المسؤول عن توصيل كتبه
للمكتبات
أطرق مفكرا لبرهة ثم قال : وش معنى مؤلف ؟
فأخذت أشرح له بطريقته معنى هذه الكلمة
كان الرجل جاهلا مطبق الجهل و غبي لدرجة البلاهة ، ولولا جسمه الضخم
و الحديدة التي بيده لما تعادلت الكفتان
فلو كان يملك عقلا لعرف أن المكتبة و مخازنها
تأتي للأمير سعيا ولا يذهب إليها ..
تراجع إلى الخلف يسحب قدميه ، و عاد لآلة المشروبات الغازية
و وقف عندها ، و طلب أن يضيفني ، فشكرته
أخرج محفظته و التقط منها ريالا دسه في فم تلك الآلة بعد أن كان يرفسها
و كأنه أدرك أن الحياة ليست بالقوة
تجاوبت معه الآلة و أخرجت له علبة
جلس يحتسيها تحت ظل تكون من جدار قصير بالقرب منها
تنفست الصعداء و خاصة بعد أن شاهدت العمال وقد أخذوا يتوافدون يمينا
و شمالا
نزلت من سيارتي و أنهيت مهمتي
و لما رجعت وجدته واقفا عند باب سيارتي و لكنه لم يعد يخيفني كما كان
ركبت سيارتي و أدرت محركها ، كان لا يزال موجودا ، التفت إليه
فإذا هو ينظر إلي بوجه بائس ، تملؤه الشفقة
ثم قال بصوت خافت : سلم لي على معزبك ..!
< قوة العقل تتغلب على قوة العضلات >