فضل
عضو مميز
كاتب سعودى رائع
يحدثنا عن سفره الاول الى مصر ..,
يحدثنا عن سفره الاول الى مصر ..,
< نورت مصر يا افندم >
قالها احدهم مصحوبة بابتسامة جميلة
وأنا أضع قدمي على أرض مطار القاهرة الدولي
ثم أشار إلى الحافلة التي ستقلنا إلى الصالة الداخلية
فتسابقنا إليها وعندما ضاقت بنا أغلقت أبوابها
لتتهادى على أرض المطار
بينما مازالت الطائرة تخرج من فيها من ركاب عبر سلم ممتد إلى جوفها
ولجنا إلى الصالة الداخلية وسرنا صفا خلف مكتب لطبع ختم الوصول على
جوازاتنا ، كان الصف يتحرك ببطء ، ودخان السجائر المنبعث يكتم الأنفاس
والحر يزيد الجو اختناقا ، فمرت تلك الدقائق وكأنها ساعات
بعد أمتار من ذلك المكتب توقفنا أمام عسكري يتأكد من وجود الختم على
جوازاتنا ، ثم تجمعنا أمام مكان وصول الحقائب ، ولما طال وقوفنا توجهتُ
إلى العازل الزجاجي أنظر إلى الطائرة التي أقلتنا ، وأفكر في تفاصيل رحلتنا
عبر هذه الطائرة التي كانت مليئة بالركاب ، فلا مكان لمقعد واحد خالٍ
” هذا هو موسم القاهرة ” قالها راكب عندما قادته بطاقة صعود الطائرة
للجلوس بجانبي ، ثم أردف : بالكاد وجدت حجزا .. كان في الأربعينات من
عمره ، ذكر أنه تاجر وجاء إلى القاهرة ليحضر معرضا للعقار ، وينوي أن
يشتري شقة ، ثم يبيعها بثمن مرتفع
ووصف هذا الاستثمار هنا بأنه مربح جدا
صمت الرجل يقلب أوراقه التي حملها في حقيبة جلدية سوداء ، فالتفت
إلى شابين يجلسان عن يميني ، يبدوان في بداية العشرينات
شعر طويل وشفاه سوداء من أثر التدخين الشره ، ابتسم الذي بجانبي
وقال لي : ما جنسيتها ؟
سألته في تعجب : من هي ؟
قال بحروف لا تخلو من خبث : المضيفة
نظرت إلى حيث ينظر الشاب ، وقلت : لا أدري ..
قال : يبدو أنها مغربية .. انتظر سأسألها ..
كانت المضيفة تسير ببطء بين المقاعد كي تتأكد من ربط الركاب للأحزمة
وعندما وصلت إلى ذلك الشاب سألها : مغربية ؟
ويبدو أنها لم تفهم ما يقصد فقالت : كيف ؟
عاد يوضح مقصده : هل أنت مغربية ؟
نظرت إليه بغضب وقالت : وأنت مالك ! !
بعدما أقفلت الأبواب وارتفعت الطائرة في السماء تغيرت بعض الأجواء ، وساد
الصمت على البعض فيما انشغل آخرون بالنظر إلى النوافذ ، وآخرون في
القراءة بينما الشابان أخذا يمارسان هوايتهما في مشاغبة المضيفات
أخرج الرجل العقاري خريطة للقاهرة وفرشها على حامل الأطعمة
وقال : سأشتري شقة هنا .. في حي الزمالك .. حي راق ومستقبله
مضمون .. وسأبيعها بعد أقل من سنة ..
سألته : وكيف تستطيع تحديد أسعارها ؟
ابتسم مستندا على مقعده ثم قال : أنا أعرف القاهرة جيدا .. هذه زيارتي
الثامنة ، كما سبق لي أن اشتريت شقق كثيرة ، وكنا في السابق نأتي
لنشتري المزارع من الفلاحين ثم نبيعها إلى تجار سعوديين … بعدما نحصل
على ربح معقول ..
مرت مضيفة أخرى ، فسألها الشاب نفس السؤال ، فوقفت تستفهم سبب
هذا السؤال ، فلم يستطع الشاب الرد ، هنا أشارت إلى زميلها الذي جاء
سريعا ، وتحدثت معه قليلا ثم انصرفت ، بينما تلقى الشابان درسا في
الأخلاق والتربية
” هل هي زيارتك الأولى ؟ ” سألني الرجل العقاري
قلت : نعم .. ثم عاد إلى الاستناد إلى المقعد ورفع رأسه إلى الأعلى
ويبدو أنه يفعل ذلك عندما يريد الحديث عن شيء يحبه : القاهرة بلد جميل
أهلها طيبون ومحبون للحياة ، لكن البحث عن لقمة العيش جعلت نفوسهم
متعبة
هدأ الشابان عما قبل ، وتركا التحرش بالمضيفات ، وتشاغلا بالحديث مع
بعضهما ، وبعد قليل استند أحدهما إلى النافذة محاولا الخلود إلى إغفاءة
سريعة ، وفضل الثاني تصفح كتيب السلامة في رتابة مملة
لم يكن الوحيد الذي يشعر بالملل ، فعلى الرغم من أن الرجل العقاري
يتحدث معي بين فينة وأخرى ، لكن حديثه عن العقار جعل المتعة قليلة
وأفسح الطريق إلى الملل كي يتسلل إلى أعماقي ، وبدأت أخمن كم بقي
من ساعتي الرحلة ، وخاصة أني لا أحمل ساعة في يدي ، فأصبحت تائها
في مكاني لا أعرف شيئا عن الوقت وما بقي منه
جاء الفرج عندما وصل إلينا صوت قائد الطائرة يعلن عن وجوب ربط الأحزمة
والبقاء في المقاعد من أجل الهبوط في مطار القاهرة الدولي ، عندها التفت
الرجل إليَّ وقال : أين ستسكن في فندق أم شقة مفروشة ؟
قلت : حسب الأسعار ؟
قال : أنصحك بفندق ، ستتعب في البحث عن فندق مناسب
لكن هو مريح أكثر
قطع حبل أفكاري صوت سير الأمتعة وهو يتحرك معلنا عن وصول دفعة من
الحقائب ، فتحلقنا حوله ينتظر كل منا وصول حقيبته كي ينهي إجراءاته
سريعا ، لم أمكث طويلا حتى جاءتني حقيبتي تتهادى وكأنها حزينة على
ابتعادي عنها ، ولم تعرف أنهم لن يسمحوا لي باصطحابها معي ، وأن عليها
أن تأخذ مسارا يختلف عن مساري
حملت حقيبتي واتجهت نحو طاولة طويلة أشار أحد الضباط بأن أضعها عليها
لكنه لم يفتحها واكتفى بسؤالي هل أحمل أجهزة كهربائية ، فقلت : لا ..
ملابس فقط .. ابتسم وقال : تفضل .. أهلا بك
حملت حقيبتي وخرجت من المطار إلى أجواء مدينة القاهرة وكلي شوق
لرؤية هذه المدينة التاريخية ، مدنية الملايين ، مدينة الألوان المتعددة
مدينة التاريخ والآثار ، مدينة العلماء والمشهورين ، مدينة الليل والنهار
مدينة العشاق والمحبين ، مدينة العمال والكادحين
قالها احدهم مصحوبة بابتسامة جميلة
وأنا أضع قدمي على أرض مطار القاهرة الدولي
ثم أشار إلى الحافلة التي ستقلنا إلى الصالة الداخلية
فتسابقنا إليها وعندما ضاقت بنا أغلقت أبوابها
لتتهادى على أرض المطار
بينما مازالت الطائرة تخرج من فيها من ركاب عبر سلم ممتد إلى جوفها
ولجنا إلى الصالة الداخلية وسرنا صفا خلف مكتب لطبع ختم الوصول على
جوازاتنا ، كان الصف يتحرك ببطء ، ودخان السجائر المنبعث يكتم الأنفاس
والحر يزيد الجو اختناقا ، فمرت تلك الدقائق وكأنها ساعات
بعد أمتار من ذلك المكتب توقفنا أمام عسكري يتأكد من وجود الختم على
جوازاتنا ، ثم تجمعنا أمام مكان وصول الحقائب ، ولما طال وقوفنا توجهتُ
إلى العازل الزجاجي أنظر إلى الطائرة التي أقلتنا ، وأفكر في تفاصيل رحلتنا
عبر هذه الطائرة التي كانت مليئة بالركاب ، فلا مكان لمقعد واحد خالٍ
” هذا هو موسم القاهرة ” قالها راكب عندما قادته بطاقة صعود الطائرة
للجلوس بجانبي ، ثم أردف : بالكاد وجدت حجزا .. كان في الأربعينات من
عمره ، ذكر أنه تاجر وجاء إلى القاهرة ليحضر معرضا للعقار ، وينوي أن
يشتري شقة ، ثم يبيعها بثمن مرتفع
ووصف هذا الاستثمار هنا بأنه مربح جدا
صمت الرجل يقلب أوراقه التي حملها في حقيبة جلدية سوداء ، فالتفت
إلى شابين يجلسان عن يميني ، يبدوان في بداية العشرينات
شعر طويل وشفاه سوداء من أثر التدخين الشره ، ابتسم الذي بجانبي
وقال لي : ما جنسيتها ؟
سألته في تعجب : من هي ؟
قال بحروف لا تخلو من خبث : المضيفة
نظرت إلى حيث ينظر الشاب ، وقلت : لا أدري ..
قال : يبدو أنها مغربية .. انتظر سأسألها ..
كانت المضيفة تسير ببطء بين المقاعد كي تتأكد من ربط الركاب للأحزمة
وعندما وصلت إلى ذلك الشاب سألها : مغربية ؟
ويبدو أنها لم تفهم ما يقصد فقالت : كيف ؟
عاد يوضح مقصده : هل أنت مغربية ؟
نظرت إليه بغضب وقالت : وأنت مالك ! !
بعدما أقفلت الأبواب وارتفعت الطائرة في السماء تغيرت بعض الأجواء ، وساد
الصمت على البعض فيما انشغل آخرون بالنظر إلى النوافذ ، وآخرون في
القراءة بينما الشابان أخذا يمارسان هوايتهما في مشاغبة المضيفات
أخرج الرجل العقاري خريطة للقاهرة وفرشها على حامل الأطعمة
وقال : سأشتري شقة هنا .. في حي الزمالك .. حي راق ومستقبله
مضمون .. وسأبيعها بعد أقل من سنة ..
سألته : وكيف تستطيع تحديد أسعارها ؟
ابتسم مستندا على مقعده ثم قال : أنا أعرف القاهرة جيدا .. هذه زيارتي
الثامنة ، كما سبق لي أن اشتريت شقق كثيرة ، وكنا في السابق نأتي
لنشتري المزارع من الفلاحين ثم نبيعها إلى تجار سعوديين … بعدما نحصل
على ربح معقول ..
مرت مضيفة أخرى ، فسألها الشاب نفس السؤال ، فوقفت تستفهم سبب
هذا السؤال ، فلم يستطع الشاب الرد ، هنا أشارت إلى زميلها الذي جاء
سريعا ، وتحدثت معه قليلا ثم انصرفت ، بينما تلقى الشابان درسا في
الأخلاق والتربية
” هل هي زيارتك الأولى ؟ ” سألني الرجل العقاري
قلت : نعم .. ثم عاد إلى الاستناد إلى المقعد ورفع رأسه إلى الأعلى
ويبدو أنه يفعل ذلك عندما يريد الحديث عن شيء يحبه : القاهرة بلد جميل
أهلها طيبون ومحبون للحياة ، لكن البحث عن لقمة العيش جعلت نفوسهم
متعبة
هدأ الشابان عما قبل ، وتركا التحرش بالمضيفات ، وتشاغلا بالحديث مع
بعضهما ، وبعد قليل استند أحدهما إلى النافذة محاولا الخلود إلى إغفاءة
سريعة ، وفضل الثاني تصفح كتيب السلامة في رتابة مملة
لم يكن الوحيد الذي يشعر بالملل ، فعلى الرغم من أن الرجل العقاري
يتحدث معي بين فينة وأخرى ، لكن حديثه عن العقار جعل المتعة قليلة
وأفسح الطريق إلى الملل كي يتسلل إلى أعماقي ، وبدأت أخمن كم بقي
من ساعتي الرحلة ، وخاصة أني لا أحمل ساعة في يدي ، فأصبحت تائها
في مكاني لا أعرف شيئا عن الوقت وما بقي منه
جاء الفرج عندما وصل إلينا صوت قائد الطائرة يعلن عن وجوب ربط الأحزمة
والبقاء في المقاعد من أجل الهبوط في مطار القاهرة الدولي ، عندها التفت
الرجل إليَّ وقال : أين ستسكن في فندق أم شقة مفروشة ؟
قلت : حسب الأسعار ؟
قال : أنصحك بفندق ، ستتعب في البحث عن فندق مناسب
لكن هو مريح أكثر
قطع حبل أفكاري صوت سير الأمتعة وهو يتحرك معلنا عن وصول دفعة من
الحقائب ، فتحلقنا حوله ينتظر كل منا وصول حقيبته كي ينهي إجراءاته
سريعا ، لم أمكث طويلا حتى جاءتني حقيبتي تتهادى وكأنها حزينة على
ابتعادي عنها ، ولم تعرف أنهم لن يسمحوا لي باصطحابها معي ، وأن عليها
أن تأخذ مسارا يختلف عن مساري
حملت حقيبتي واتجهت نحو طاولة طويلة أشار أحد الضباط بأن أضعها عليها
لكنه لم يفتحها واكتفى بسؤالي هل أحمل أجهزة كهربائية ، فقلت : لا ..
ملابس فقط .. ابتسم وقال : تفضل .. أهلا بك
حملت حقيبتي وخرجت من المطار إلى أجواء مدينة القاهرة وكلي شوق
لرؤية هذه المدينة التاريخية ، مدنية الملايين ، مدينة الألوان المتعددة
مدينة التاريخ والآثار ، مدينة العلماء والمشهورين ، مدينة الليل والنهار
مدينة العشاق والمحبين ، مدينة العمال والكادحين