فضل
عضو مميز
هذا اديب سعودى يملك اسلوب رائع
يسرد لنا هذه القصه ..
يسرد لنا هذه القصه ..
ليلة جميلة .. أجلس مستلقيا في غرفتي ..
التلفاز يعرض مسلسلا ممتعا .. يحكي حياة بسطاء يعيشون في حي
فقير .. الأمل الغامض ينتظرهم .. والمستقبل المجهول يخنقهم ..
الصورة لصباح جميل .. موقف للحافلات .. صابر الرجل الحرفي يقف وكأنه
ينتظر الحافلة .. سعدة ابنة الجيران تصحو مبكرة .. تخرج من بيتها وتقف مع
الجميع وكأنها تنتظر الحافلة أيضا .. ولكنها الفرصة المتاحة كي تقابل صابرا ..
تتبادل معه نظرات خاطفة خجولة .. الخوف من عيون الواقفين ترعبهم ..
والفضيحة الكبرى تحاصرهم
أعترف أني من عشاق المسلسلات الهادئة ..
لا أحب تلك التي تحوي صراخا ، أو تلك التي تصنع بطلا لا يقهر .. تجعله
يسير في الشوارع والممرات والكل يحييه ، وتبرزه وهو قوي يضرب جميع
خصومه ، القصص البسيطة تستهويني ، أحب التفاصيل الصغيرة .. أحب
كلمات المشاعر وأحاسيس الدفء
رن جوالي .. رفعته بامتعاض .. إنه خالد صديقي ..
- مرحبا ..
- بسرعة تعال .. أنا أنتظرك عند الباب ..
- ولكن هلا أمهلتني عشر دقائق فقط ..
- ألست موجودا في البيت ..؟
- بلى موجود .. ولكن هناك مسلسل جميل أتابعه وبقي منه
القليل ..
- يا لطباعك الغريبة ..!
- أرجوك عشر دقائق فقط ..
- حسنا .. سأملأ خزان سيارتي بالوقود وأعود .. اسمع سأنتظرك
أمام الباب .. لن أتصل مرة أخرى ..
- حسنا ..
منذ سبع سنوات سكن في الشقة المجاورة لشقتي شاب بشوش ، بعد
جولات من النظرات والاقتراب والابتعاد تعارفنا ، ثم سرعان ما وجدنا أنفسنا
نندمج معا ، وصرنا نخرج معا .. حتى وبعد أن انتقل سكني إلى مكان آخر
مازالت العلافة مستمرة والترابط موجود
انتهى المسلسل .. لبست ثوبي ونزلت مسرعا .. وفي طريقي أصلحت
غترتي .. أعرفه يغضب بسرعة عندما أتأخر عليه .. لكنه اليوم عليه أن
يتحمل زيارته المفاجئة ..
عندما فتحت الباب وجدته في سيارته ينتظر بقلق .. ركبت السيارة ليقول :
- منذ متى وأنت تتابع المسلسلات ؟
- إنه مسلسل مختلف ..
- لابد أن فيه قصة حب .. أعرفك تحب هذه الأشياء !
- ليست مثل ما تتوقع ..
- أنا أعرف سبب مشاكلك .. القصص والروايات هي التي جعلتك
بهذا الشكل .. تحبس نفسك في البيت وتظل تقرأ وتصدق كل شيء ..
الروايات لحست عقلك ..
عبثا حاولت جاهدا أشرح له طبيعة هذا المسلسل وأنه ليس كما يتصور ..
لكنه لم يقتنع .. كما لم يقتنع من قبل بجدوى القراءة .. يكرر علي دائما أن
قراءة القصص والروايات مضيعة للوقت .. على الرغم من صداقتنا إلا أننا
نختلف في أشياء كثيرة .. هو محب للخروج والتجول في الشوارع ، وأنا
محب للعزلة والقراءة ..
متضادان لكننا نميل لبعضنا ونشتاق عندما نغيب عن بعضنا
إذا ظل يتحدث عن القراءة فلن يسكت سيقول لي إن آخر كتاب قرأه هو آخر
مادة درسها في الجامعة .. سيقول لي إن الكتب تأتي له بالصداع ..
وسيحكي قصة الطبيب الذي فرض عليه نظارة طبية لكنه عندما ترك القراءة
لم يحتج إليها .. لذا قررت تغيير دفة الحديث ..
- إلى أين ستذهب ؟
- إلى محل ملبوسات رجالي في سوق تجاري ..
هو محب للأناقة بشكل كبير .. يتابع الموضة في الملابس .. ومهووس
بالأحذية كثيرا ..
ودائما ما يحكي لي من أين اشترى هذه وما مزايا صناعة تلك ..
وصلنا للسوق ، نزل مسرعا وأنا أسير خلفه ، هذه عادته ، لايشعرني
بصداقته إلا عندما يكون رائقا ، وصلنا إلى محل الملبوسات الرجالية ، سلم
على البائع الذي يعرفه ، أعرف أنه يتباهى أمامي بذلك ، يحب أن يظهر
أمامي أن الكثيرون يعرفونه .. اشترى ” شماغا ” كانت دعايته تتردد كثيرا
هذه الأيام ، ثم وكعادته السيئة أخذ يشتري بعض الأشياء المختلفة
محفظة .. قلم فاخر …
وظل يعيش دقائق من لذة التسوق التي يعشقها كثيرا ..
عندما خرجنا من محل الملابس الرجالية ، نظر إلي وقال : هل تعشيت ؟
قلت : لا .. ليس بعد .. ابتسم وقال : سأعزمك الليلة .. هناك مطعم وجبات
سريعة قريب من هنا ..
هذه المرة سرنا معا ، حدثني كم هو يحب هذا السوق ، يجد فيه راحة
نفسية ، لاحظت أنه مازال يعاني بعض الاضطراب ، أترى كل ذلك بسبب
المسلسل والروايات والقصص
كان المطعم خاليا .. ركن استقبال الطلبات على اليسار ، يليه حاجز طويل
إلى الجدار لعمال يعدون الطعام وفوق رؤوسهم سقف عليه صور للأطعمة
التي يصنعون ، وفي الوسط حاوية لوضع بقايا الأكل وعلى اليمين طاولات
كثيرة تسع لاثنين في كل صف
طلبنا طعامنا ثم توجهنا نحو طاولة هي أقرب إلى آخر المحل من بدايته
جلست أمامه وجلس هو ووجهه إلى بوابة المطعم ، وعلى الرغم أنه لا
يحب أن يراه أحد يعرفه إلا أنه يحب أن يرى الناس وهم يسيرون في ممرات
السوق .. وهذه إحدى طباعه التي أراها غريبة
جاء الطعام وبدأنا نأكل بصمت ، ثم مالبثنا أن بدأنا نتحدث ، هو يحب الحديث
لا يطيق أن يصمت ، يحب أن يتحدث عن نفسه كثيرا ، وعن عمله
ومشاكله مع مديره
فجأة توقف الحديث وظل ينظر إلى بوابة المطعم ، التفت لأرى ما الذي جعله
يسكت ، كان يقف أمام المحاسب رجل شرق آسيوي ، بينما وقفت المرأة
التي معه عند البوابة ، وظلت تنظر بعمق إلى صاحبي
سألته : يبدو انها تعرفك هل تعرفها ؟
رد بذهول : أبدا !
عدت أقول : غير معقول ! فهي لم ترفع عينيها عنك ..
وبذهول أيضا قال : وهذا ما يحيرني ..
صمتُ قليلا ألتهم ببطء ما بقي من طعامي .. بينما توقف عن الأكل لينظر
بين حين وآخر إلى تلك المرأة التي سلطت نظراتها عليه ..!
بعد دقائق وبعد أن استلم الرجل طعامه ذهبت المرأة وبقي صاحبي يعيش
ذهولا غريبا .. حاولت مساعدته أين يمكن أن تكون قد رأته ، لكنه لا يتذكر
مكانا معينا !
في السيارة وفي طريق العودة ، لم يعد صاحبي ذلك الشخص الذي أعرفه
ذلك الذي يكثر الانتقاد لي وتوجيه اللوم لي على كل شيء .. بل كان رجلا
آخر .. أخذ يصفر بفمه ، ثم فتح النافذة وأخذ يشم الهواء ، ثم أدار المذياع
على صوت أغنية رومانسية أخذ يغني معها ..
التفت إلي بعينين تبرقان ثم سألني : هل أحببت يوما من الأيام ؟ وقبل أن
أجيب قاطعني : كم أنا مشتاق أن أعرف مصير تلك الفتاة التي أحببت !
كانت في السادسة عشرة من عمرها وكنت في العشرين .. عندما تزوجت
سافرت مع زوجها ، وجئت إلى الرياض أدرس في الجامعة ..
ظل يتحدث برومانسية متناهية وأنا أستمع إليه في تعجب .. وعندما وقفنا
أمام الباب سألني :
هل من الممكن أن تعيرني إحدى الروايات التي تقرؤوها ؟ !
التلفاز يعرض مسلسلا ممتعا .. يحكي حياة بسطاء يعيشون في حي
فقير .. الأمل الغامض ينتظرهم .. والمستقبل المجهول يخنقهم ..
الصورة لصباح جميل .. موقف للحافلات .. صابر الرجل الحرفي يقف وكأنه
ينتظر الحافلة .. سعدة ابنة الجيران تصحو مبكرة .. تخرج من بيتها وتقف مع
الجميع وكأنها تنتظر الحافلة أيضا .. ولكنها الفرصة المتاحة كي تقابل صابرا ..
تتبادل معه نظرات خاطفة خجولة .. الخوف من عيون الواقفين ترعبهم ..
والفضيحة الكبرى تحاصرهم
أعترف أني من عشاق المسلسلات الهادئة ..
لا أحب تلك التي تحوي صراخا ، أو تلك التي تصنع بطلا لا يقهر .. تجعله
يسير في الشوارع والممرات والكل يحييه ، وتبرزه وهو قوي يضرب جميع
خصومه ، القصص البسيطة تستهويني ، أحب التفاصيل الصغيرة .. أحب
كلمات المشاعر وأحاسيس الدفء
رن جوالي .. رفعته بامتعاض .. إنه خالد صديقي ..
- مرحبا ..
- بسرعة تعال .. أنا أنتظرك عند الباب ..
- ولكن هلا أمهلتني عشر دقائق فقط ..
- ألست موجودا في البيت ..؟
- بلى موجود .. ولكن هناك مسلسل جميل أتابعه وبقي منه
القليل ..
- يا لطباعك الغريبة ..!
- أرجوك عشر دقائق فقط ..
- حسنا .. سأملأ خزان سيارتي بالوقود وأعود .. اسمع سأنتظرك
أمام الباب .. لن أتصل مرة أخرى ..
- حسنا ..
منذ سبع سنوات سكن في الشقة المجاورة لشقتي شاب بشوش ، بعد
جولات من النظرات والاقتراب والابتعاد تعارفنا ، ثم سرعان ما وجدنا أنفسنا
نندمج معا ، وصرنا نخرج معا .. حتى وبعد أن انتقل سكني إلى مكان آخر
مازالت العلافة مستمرة والترابط موجود
انتهى المسلسل .. لبست ثوبي ونزلت مسرعا .. وفي طريقي أصلحت
غترتي .. أعرفه يغضب بسرعة عندما أتأخر عليه .. لكنه اليوم عليه أن
يتحمل زيارته المفاجئة ..
عندما فتحت الباب وجدته في سيارته ينتظر بقلق .. ركبت السيارة ليقول :
- منذ متى وأنت تتابع المسلسلات ؟
- إنه مسلسل مختلف ..
- لابد أن فيه قصة حب .. أعرفك تحب هذه الأشياء !
- ليست مثل ما تتوقع ..
- أنا أعرف سبب مشاكلك .. القصص والروايات هي التي جعلتك
بهذا الشكل .. تحبس نفسك في البيت وتظل تقرأ وتصدق كل شيء ..
الروايات لحست عقلك ..
عبثا حاولت جاهدا أشرح له طبيعة هذا المسلسل وأنه ليس كما يتصور ..
لكنه لم يقتنع .. كما لم يقتنع من قبل بجدوى القراءة .. يكرر علي دائما أن
قراءة القصص والروايات مضيعة للوقت .. على الرغم من صداقتنا إلا أننا
نختلف في أشياء كثيرة .. هو محب للخروج والتجول في الشوارع ، وأنا
محب للعزلة والقراءة ..
متضادان لكننا نميل لبعضنا ونشتاق عندما نغيب عن بعضنا
إذا ظل يتحدث عن القراءة فلن يسكت سيقول لي إن آخر كتاب قرأه هو آخر
مادة درسها في الجامعة .. سيقول لي إن الكتب تأتي له بالصداع ..
وسيحكي قصة الطبيب الذي فرض عليه نظارة طبية لكنه عندما ترك القراءة
لم يحتج إليها .. لذا قررت تغيير دفة الحديث ..
- إلى أين ستذهب ؟
- إلى محل ملبوسات رجالي في سوق تجاري ..
هو محب للأناقة بشكل كبير .. يتابع الموضة في الملابس .. ومهووس
بالأحذية كثيرا ..
ودائما ما يحكي لي من أين اشترى هذه وما مزايا صناعة تلك ..
وصلنا للسوق ، نزل مسرعا وأنا أسير خلفه ، هذه عادته ، لايشعرني
بصداقته إلا عندما يكون رائقا ، وصلنا إلى محل الملبوسات الرجالية ، سلم
على البائع الذي يعرفه ، أعرف أنه يتباهى أمامي بذلك ، يحب أن يظهر
أمامي أن الكثيرون يعرفونه .. اشترى ” شماغا ” كانت دعايته تتردد كثيرا
هذه الأيام ، ثم وكعادته السيئة أخذ يشتري بعض الأشياء المختلفة
محفظة .. قلم فاخر …
وظل يعيش دقائق من لذة التسوق التي يعشقها كثيرا ..
عندما خرجنا من محل الملابس الرجالية ، نظر إلي وقال : هل تعشيت ؟
قلت : لا .. ليس بعد .. ابتسم وقال : سأعزمك الليلة .. هناك مطعم وجبات
سريعة قريب من هنا ..
هذه المرة سرنا معا ، حدثني كم هو يحب هذا السوق ، يجد فيه راحة
نفسية ، لاحظت أنه مازال يعاني بعض الاضطراب ، أترى كل ذلك بسبب
المسلسل والروايات والقصص
كان المطعم خاليا .. ركن استقبال الطلبات على اليسار ، يليه حاجز طويل
إلى الجدار لعمال يعدون الطعام وفوق رؤوسهم سقف عليه صور للأطعمة
التي يصنعون ، وفي الوسط حاوية لوضع بقايا الأكل وعلى اليمين طاولات
كثيرة تسع لاثنين في كل صف
طلبنا طعامنا ثم توجهنا نحو طاولة هي أقرب إلى آخر المحل من بدايته
جلست أمامه وجلس هو ووجهه إلى بوابة المطعم ، وعلى الرغم أنه لا
يحب أن يراه أحد يعرفه إلا أنه يحب أن يرى الناس وهم يسيرون في ممرات
السوق .. وهذه إحدى طباعه التي أراها غريبة
جاء الطعام وبدأنا نأكل بصمت ، ثم مالبثنا أن بدأنا نتحدث ، هو يحب الحديث
لا يطيق أن يصمت ، يحب أن يتحدث عن نفسه كثيرا ، وعن عمله
ومشاكله مع مديره
فجأة توقف الحديث وظل ينظر إلى بوابة المطعم ، التفت لأرى ما الذي جعله
يسكت ، كان يقف أمام المحاسب رجل شرق آسيوي ، بينما وقفت المرأة
التي معه عند البوابة ، وظلت تنظر بعمق إلى صاحبي
سألته : يبدو انها تعرفك هل تعرفها ؟
رد بذهول : أبدا !
عدت أقول : غير معقول ! فهي لم ترفع عينيها عنك ..
وبذهول أيضا قال : وهذا ما يحيرني ..
صمتُ قليلا ألتهم ببطء ما بقي من طعامي .. بينما توقف عن الأكل لينظر
بين حين وآخر إلى تلك المرأة التي سلطت نظراتها عليه ..!
بعد دقائق وبعد أن استلم الرجل طعامه ذهبت المرأة وبقي صاحبي يعيش
ذهولا غريبا .. حاولت مساعدته أين يمكن أن تكون قد رأته ، لكنه لا يتذكر
مكانا معينا !
في السيارة وفي طريق العودة ، لم يعد صاحبي ذلك الشخص الذي أعرفه
ذلك الذي يكثر الانتقاد لي وتوجيه اللوم لي على كل شيء .. بل كان رجلا
آخر .. أخذ يصفر بفمه ، ثم فتح النافذة وأخذ يشم الهواء ، ثم أدار المذياع
على صوت أغنية رومانسية أخذ يغني معها ..
التفت إلي بعينين تبرقان ثم سألني : هل أحببت يوما من الأيام ؟ وقبل أن
أجيب قاطعني : كم أنا مشتاق أن أعرف مصير تلك الفتاة التي أحببت !
كانت في السادسة عشرة من عمرها وكنت في العشرين .. عندما تزوجت
سافرت مع زوجها ، وجئت إلى الرياض أدرس في الجامعة ..
ظل يتحدث برومانسية متناهية وأنا أستمع إليه في تعجب .. وعندما وقفنا
أمام الباب سألني :
هل من الممكن أن تعيرني إحدى الروايات التي تقرؤوها ؟ !