هذا الموضوع من أخطر المواضيع،
هذا الموضوع من أخطر المواضيع، وهو موضوع الربا الذي أجمعت الشرائع على تحريمه وتوعد الله المتعامل به بأشد الوعيد: قال تعالى:{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} فأخبر سبحانه أن الذين يتعاملون بالربا {لا يقومون} أي من قبورهم عند البعث {إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} أي إلا كما يقوم المصروع حال صرعه، وذلك لتضخم بطونهم بسبب أكلهم الربا في الدنيا.
كما توعد الله سبحانه الذي يعود إلى أكل الربا بعد معرفة تحريمه بأنه من أصحاب النار الخالدين فيها، قال تعالى:{وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .
كما أخبر الله سبحانه أنه يمحق بركة الربا، قال تعالى:{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} أي يمحق بركة المال الذي خالطه الربا فمهما كثرت أموال المرابي وتضخمت فهي ممحوقة البركة لا خير فيها، وإنما هي وبال على صاحبها، تعب في الدنيا وعذاب في الآخرة، ولا يستفيد منها. وقد وصف الله المرابي بأنه كفار أثيم، قال تعالى:{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} فأخبر الله سبحانه أنه لا يحب المرابي، وحرمانه من محبة الله يستلزم أن الله يبغضه ويمقته، وتسميته كَفّارا، أي: مبالغا في كفر النعمة، وهو الكفر الذي لا يخرج من الملة؛ فهو كفار لنعمة الله؛ لأنه لا يرحم العاجز، ولا يساعد الفقير، ولا ينظر المعسر، أو المراد أنه كَفّار الكفرَ المخرج من الملة إذا كان يستحل الربا، وقد وصفه الله في هذه الآية بأنه أثيم؛ أي: مبالغ في الإثم، منغمس في الأضرار المادية والخلقية.
وقد أعلن الله الحرب منه ومن رسوله على المرابي لأنه عدو لهما إن لم يترك الربا، ووصفه بأنه ظالم، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} وإلى جانب هذه الزواجر القرآنية عن التعامل بالربا جاءت زواجر في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر الموبقة؛ أي المهلكة، "ولعن صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه"، كما أخبر صلى الله عليه وسلم "أن درهما واحدا من الربا أشد من ثلاث وثلاثين زنية في الإسلام"، أو "ست وثلاثين زنية" وأخبر " أن الربا اثنان وسبعون بابا، أدناها مثل إتيان الرجل أمه".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وتحريم الربا أشد من تحريم الميسر، وهو القمار، لأن المرابي قد أخذ فضلا محققا من محتاج، والمقامر قد يحصل له فضل وقد لا يحصل له فضل؛ فالربا ظلم محقق، لأن فيه تسليط الغني على الفقير؛ بخلاف القمار فإنه قد يأخذ فيه الفقير من الغني، وقد يكون المتقامران متساويين في الغنى والفقر؛ فهو وإن كان أكلا للمال بالباطل، وهو محرم؛ فليس فيه من ظلم المحتاج وضرره ما في الربا، ومعلوم أن ظلم المحتاج أعظم من ظلم غير المحتاج " انتهى".
وأكل الربا من صفات اليهود التي استحقوا عليها اللعنة الخالدة والمتواصلة، قال الله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}
والحكمة في تحريم الربا: أن فيه أكلا لأموال الناس بغير حق، لأن المرابي يأخذ منهم الربا من غير أن يستفيدوا شيئا في مقابله، وأن فيه إضرارا بالفقراء والمحتاجين بمضاعفة الديون عليهم عند عجزهم عن تسديدها، وأن فيه قطعا للمعروف بين الناس، وسدا لباب القرض الحسن، وفتحا لباب القرض بالفائدة التي تثقل كاهل الفقير، وفيه تعطيل للمكاسب والتجارات والحرف والصناعات التي لا تنتظم مصالح العالم إلا بها، لأن المرابي إذا تحصل على زيادة ماله بواسطة الربا بدون تعب؛ فلن يلتمس طرقا أخرى للكسب الشاق، والله تعالى جعل طريق تعامل الناس في معايشهم قائما على أن تكون استفادة كل واحد من الآخر في مقابل عمل يقوم به نحوه أو عين يدفعها إليه، والربا خال عن ذلك؛ لأنه عبارة عن إعطاء المال مضاعفا من طرف لآخر بدون مقابلة من عين ولا عمل.
والربا في اللغة معناه الزيادة، وهو في الشرع زيادة في أشياء مخصوصة،
وينقسم إلى قسمين: ربا النسيئة، وربا الفضل.