الـمـحـامـي
مستشار قانوني
- التسجيل
- 10 مارس 2009
- المشاركات
- 290
جامعة عمان العربية للدراسات العليا
كلية الدراسات القانونية العليا
بحث بعنوان
حالة الضرورة
إعداد
عوض ماطر المطيري
مقدم لأستاذنا الدكتور
على الطوالة
قدم هذا البحث استكمالا لمتطلبات المسؤولية الجنائية مع التعمق
جامعة عمان العربية للدراسات العليا
الفصل الأول 2004-2005
مقدمة
يترتب إلى الأخذ بحالة الضرورة جملة من الآثار الجناية والآثار المدنية وتختلف هذه والآثار تبعا للاختلاف حول طبيعتها القانونية، وقد أثارت حالة الضرورة جدلا واسعا في الفقه والقضاء وكذلك التشريع، فما المقصود بحالة الضرورة،وما هو الأساس الذي تستند إليه في تبريرها ، من جهة أخرى اختلف الفقهاء في تحديد الطبيعة القانونية لحالة الضرورة،وينبع هذا الاختلاف في الأساس من اختلافهم في أثرها القانوني فبعضهم يعزوها إلى أنها مانع من موانع المسئولية ، في حين يرى البعض الآخر أنها سبب إباحة فما هو الموقف الذي تبناه المشرع الأردني والكويتي بشأن ذلك ؟
من جهة أخرى ينبغي لحالة الضرورة توافر شروط يجب تحققها في الخطر وفي الفعل، وأخيرا من حيث التناسب للقول أننا أمام ضرورة يعتد بها القانون بالفعل، أخيرا ما هي تلك الآثار التي تترتب على حالة الضرورة إذا توافرت شروطها القانونية ؟
هذه الأسئلة وغيرها ستكون محل عناية البحث، حيث سيتم تناول ما سبق من خلال تقييم هذا المبحث إلى المباحث الأربع التالية يسبقها فصل تمهيدي على النحو التالي:-
المبحث التمهيدي:ونعرض فيه تعريف حالة الضرورة والقوانين الوضعية.
المبحث الأول:نبحث فيه إلى تعليل أساس حالة الضرورة.
المبحث الثاني: تناول فيه الطبيعة القانونية للحالة الضرورة.
المبحث الثالث: تناول فيه شروط حالة الضرورة.
المبحث الرابع: نعرض فيه إلى آثار حالة الضرورة.
=========================
=======================
====================
المبحث التمهيدي
تعريف حالة الضرورة في القوانين الوضعية
عرفت حالة الضرورة بتعريفات عدة التفت في معظمها في المعنى والمضمون أ وإن اختلفت في بعض النقاط تبعا للاختلاف لطبيعتها وتكييفها القانوني، فمنهم من جعلها صورة من صور الإكراه المعنوي وعرفها بأنها (أن يجد االانسان نفسه في ظروف تهدد بخطر لا سبيل إلى تلافيه إلا بارتكاب جريمة) فهي تتفق مع الإكراه المعنوي في أن الجاني لا يجد سبيلا إلى الخلاص إلا بارتكاب جريمة، ولكنها تختلف عنه في أن الجاني يسلك سلوكه الإجرامي من تلقاء نفسه دون أن يلجئه إليه أحد.
ومنهم من يرى (أنها من النظم القانونية العامة كحق الدفاع الشرعي)، واعتبر البعض أن حق الدفاع الشرعي لا يعدو أن يكون حالة خاصة من حالات الضرورة الواسعة. وعلى هذا عرفت بأنها الحالة التي يجد فيها الإنسان نفسه أو غيره مهددا بضرر جسيم على وشك الوقوع، فلا يرى سبيلا لخلاص غلا بارتكاب الفعل المكون للجريمة.
واختلفت التعريفات تبعا لاختلاف القوانين الوضعية في أخذها للنفس دون المال أو النفس والمال معا لقيام حالة الضرورة، فمتى أخذ القانون بالنفس دون المال فإنها تعرف بأنها (الحالة التي تحيط بشخص وتدفعة إلى ارتكاب الجريمة ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشوك الوقوع به أو بغيره ولم تكن لإرادته دخل في حلوله على أن تكون هذه الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر الحال به) فهنا اقتصرت الضرورة على الخطر المهدد للنفس، سواء نفسه أو نفس غيره أو ملكه أو ملك غيره من خطر جسيم محدق فجمع التعريف بين الخطر المهدد للنفس والمال معا. وهذا ما سير شرحه عند الحديث عن شروط حالة الضرورة، ونشاء الله.
وعرفت بأنها (الحالة التي يطر فيها الإنسان إلى ارتكاب جريمة الضرورة درء لخطر أو ضرر جسيم يوشك أن يقع، كل ذلك دون أن يفقد قدرته على الاختيار فقدا تاما بل يبقى له فسحة وإن ضاق نطاقها لاستغلال إرادته واختيار مسلكه بحيث لا يكون بمقدرته لو أراد أن يختار الإحجام عن ارتكاب الجريمة تاركا الخطر المحدق يبلغ نهايته الوبيلة).
فلا يفقد الشخص إرادته وإنما يضيق مجال اختيارها إلى أدنى حد، في حين قد تقوم حالة الضرورة دون أن تؤثر على إرادة الفاعل، كالطبيب الذي يجري عملية جراحية لشخص ألجأته إلى إجرائها حالة الضرورة دون الحصول على إذن هذا الشخص، فهنا تحقق فعل الضرورة ولم يكن الخطر محدقا بالشخص نفسه أو مؤثرا على إرادته.
وعرفت أيضا بأنها (ظرف خارجي ينطوي على خطر يحيط بالإنسان فيرغمه على تضحية حق بآخر وقاية لنفسه أو لغيره،ولم يكن له دور في حلوله ،وليس له القدرة على منعه بطريقة أخرى)، ولا يشترط أن يتساوى الحقان ، فقد يغلب أحدهما الآخر، كالمرأة التي تسرق رغيف خبز لتنقذ طفلها الصغير، فحق الصغير في الحياة لا يقارن برغيف خبز،وكرجل المطافئ الذي يكسر شباك بيت ليتسلق منه إلى شقة يندلع فيها الحريق لإخماده . فإخماد الحريق أسمى من الشباك. وفي حالة تساوي الحقيق تنتفي إمكانية تفضيل أحدهما على الآخر كاثنين معلقين على خشبة في عرض البحر فيقذف أحدهما بالآخر لينجو من الغرق، فلا نستطيع المفاضلة بين هذين الحقين لتساويهما في الأهمية في الأهمية، وللجاني التمسك بحالة الضرورة في الدفاع عن نفسه.
المبحث الأول
تعليل أساس حالة الضرورة
يبرر البعض هذا الأساس بفكرة الإكراه المعنوي، ومن العيوب التي لحقت هذه النظرية عدم تبريرها انعدام مسؤولية الفاعل عندما تقع الجريمة من شخص لا يحيط به أي خطر وكم تتأثر إرادته بالخطر الواقع، كالطبيب الذي يجري كالطبيب الذي يجري عملية جراحية لمريض لا تربطه به صلة دون إذنه لإنقاذ حياته.
وقد فندت بعض هذه العيوب من قبل أنصارها:فالقول بأن حرية الاختيار لا تتفق مع الإكراه وإن ضاق مجالها ليس خطأ.فحرية الاختيار تختلف باختيار الزمان والمكان والأشخاص، فما يؤثر بشخص ما بزمان ومكان مالا يؤثر في غيه ولو اتحدت الظروف والعوامل المحيطة بالسلوك أو الواقعة نفسها، فهي قد تضيق وقد تتسع تبعا لهذه الظروف، وعليه فهي تختلف عن الإكراه الذي قد يصل إلى حد إعدام الإرادة أو النيل منها.
وأما القول بصعوبة تحقق القاضي من حرية الشخص وقت وقوع الخطر وارتكاب السلوك الإجرامي فهو أمر غير مقبول، لأن القانون يفرض على القاضي التحقق والتأكد من جميع ظروف وملابسات الواقعة وأهمها حرية الجاني وقت ارتكاب السلوك الإجرامي وذلك للوصول إلى الحقيقة والتي هي مطلب للجميع.
وأخيرا فإن القول بأن هذه النظرية لا تبرر انعدام المسئولية إذا وقعت الجريمة من شخص آخر لا علاقة له بها، يتوقف على الظروف المحيطة بالواقعة والتي يجب على قاضي الموضوع التأكد منها وتقديرها تقديرا صحيحا.
وأرى أن الفاعل وإن لم تتأثر إرادته فإنها لا تكون سليمة تماما، فالواجب الإنساني والأخلاقي يفرض ويؤثر في نفسية الإنسان مما يجعله مضطرا أحيانا للقيام بعمل ما يعد جرما إذا نظر له نظرة مجردة من العوامل والظروف المحيطة به، فالطبيب مثلا إذا رأى مريضا يعتصر ألما، فقام بإجراء اللازم من علاج وعمليات جراحية دون الحصول على إذنه تكون إرادته في هذه الحالة ناقصة، ولهذا الأمر قد يعد الإكراه المعنوي أساسا في تعليل حالة الضرورة.
ويذهب اتجاه آخر من الفقه إلى تعليل حالة الضرورة بانتفاء حالة المنفعة من العقاب. وتبرير هذا الرأي هو أن الهدف من العقاب هو ردع الجاني وجعله عبرة لغيره، ولكن هذا لن يتحقق في مثل هذه الحالة لأن الجاني في مثل هذه الأحوال لم يكن له نوايا إجرامية (خطورة إجرامية )تستدعي عقابه عليها، فالظروف التي أحاطت به ألزمته بالتصرف الذي قام به، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الشخص الذي ينجي نفسه من خطر الموت لن يعاقب بأكثر من فقده حياته مهما فعل بغيره، سواء قام بقتله أو جرحه أو إيذائه، فالخوف من أذى مؤكد لن يكون له فاعلية الخوف من أذى غير مؤكد.
ويعاب على هذا الرأي أيضا من حيث أنه قد يوصلنا إلى نتائج غير مقبولة مفادها أن الفائدة من العقاب ليست فقط هي المطلوبة بل العدل أولا هو المطلوب. بالإضافة إلى أن الأخذ بهذا الرأي بصورة عشوائية قد يؤدي إلى الفوضى والإفلات من العقاب في كثير من الأحيان، وهو ما لا يقبله القانون.
ويذهب اتجاه ثالث في تعليل حالة الضرورة بالعودة إلى القانون الطبيعي، ومفاد هذا الرأي أن القانون الوضعي جاء ليحل محل القانون الطبيعي في تنظيم أمور المجتمع في شتى جوانبه، وفي حالة عدم مقدرته على حماية الفرد في أي وقت ولأي سبب كان أمكنه العودة للقانون الطبيعي لحماية نفسه بنفسه، لأن منطق القانون الطبيعي هو حصول الفرد على حقه بنفسه، حتى وإن أدى ذلك على المساس بحقوق غيره ومصالحهم، فالقانون الوضعي جاء لينظم أحوال المجتمع العادية، وما شذ منها يترك للقانون الطبيعي ليحكمه، فهو وإن حل محله إلا أنه لا يلغيه نهائيا.
واستنادا لهذا التعليل رفع العقاب عن السارق في سنوات القحط الشديد، وقيل أن خيرات الطبيعة في الأصل ملكا للجميع، يأخذ منها كل بحسب حاجته، وعندما حل القانون الطبيعي وقسم هذه الخيرات بين الناس أصبح لكل فرد في المجتمع نصيب قل أو كثر عن غيره، فإن ضاق الحال بفرد ولم يستطع تدارك الخطر الذي يحيط به يكون القانون الطبيعي عندئذ قد عجز عن تحقيق هدفه ونعود بالتالي للقانون الطبيعي ويصبح لكل فرد الحصول بنفسه على حاجته من هذه الخيرات.
وأرى أن هذا الرأي لم يعد مقنعا اليوم، لأن القانون الوضعي أصبح يحكم كافة نواحي المجتمع فلم يترك شارة ولا واردة إلا وتناولها، أو أشار إليها بشكل يجعلنا في غنى عن العودة للقانون الطبيعي أو غيره. وبالإضافة إلى ذلك فإن هذا الرأي لا يبرر جميع صور حالة الضرورة وأهمها وقوع فعل الضرورة من شخص لا علاقة له بالخطر الواقع، فلم يتبين له الأساس في انعدام مسئوليته.
ويرى آخرون أن أساس حالة الضرورة هو انتفاء القصد الجنائي، لأن الشخص لم يكن يقصد من فعله الإضرار بغيره هو حماية نفسه أو ماله من الأخطار المحدقة به، ولو كان ذلك على حساب نفس الغير أو ماله.
ويعاب على هذا الرأي خلطه بين الباعث والقصد الجنائي، ويختلف القصد الجنائي عن الباعث في أن القصد الجنائي يتحقق في الجرائم العمدية دون الأخذ بالباعث، لأن توافر العلم والإرادة يكفي لقيام صفة العمد على التصرف، إضافة أن الشخص يعلم علما يقينيا أنه يرتكب عملا يجرمه القانون ويعاقب عليه ومع ذلك يقدم عليه للحفاظ على نفسه أو ماله أو نفس الغير أو ماله.
وأخيرا الرأي تزعمه (هيجل) والذي يعلل امتناع المسؤولية في حالة الضرورة استنادا لفكرة تضارب المصالح أو المصلحة الأجدر بالرعاية ويرى هيجل أن حق الحياة أسمى من سائر الحقوق الشخصية.وفي حال تعارضه مع غيره تكون له الأولوية في الحماية والرعاية، وهذا نابع من مبدأ الصراع بين الحياة والمادة فهو يغلب الحياة على المادة وحياة الجماعة على حياة الفرد.
ولم تسلم هذه النظرية من النقد وقيل أن تضحية حق في سبيل صيانة حق آخر أمر نسبي يختلف باختلاف الظروف والاعتبارات المختلفة وما يصدق على حق الحياة وأفضلية في ظروف معينة، يصدق على أفضلية الحقوق الأخرى عند تعارضها، فكما أن حق الحياة يعلو حق الملكية فإن حق صيانة العرض والشرف يعلوه أيضا، كما أنها لم تبين الحل فيما لو تساوي حقان، فايهما نقدم ؟فتكون حالة الضرورة في هذه الحال مجرد عذر مخفف للعقوبة وليس من ذلك ،ويترتب على الأخذ بها وجوب التضحية بحياة الشيخ الكبير الفاني لإنقاذ الشاب ، وهذا ما لا تقبله النفس البشرية ، فكما للشاب أهمية فللشيخ أيضا ذات الأهمية أو أكثر قليلا.
ومن خلال استعراضنا لأهم الأسس التي قيلت في تعليل أساس حالة الضرورة نلاحظ أن الإكراه المعنوي هو الأرجح والأقوى باعتبار أن إرادة الشخص الجاني وإن كانت قائمة وقت ارتكاب الفعل الإجرامي إلا أنها لمتكن كاملة الحرية بل يشوبها النقص للتأثر بالظروف المحيطة بالواقعة والتي دفعت الجاني إلى ارتكاب فعله الإجرامي، وتأتي أفضليتها من خلال تبريرها لانعدام المسؤولية لمختلف الحالات التي قد تعترضنا وأهمها الحالة التي لا علاقة للفاعل بها كمن يجد حريقا في مكان ما فيعمل على إطفائه، ويتسبب بأذى وضرر للغير فهو لا علاقة له بالخطر ولا يعتقد بأنه يلحقه ضرر إن لم يتدخل، ومع ذلك تدخل وألحق ضررا بالغير بأن فتح شقة مجاورة للحصول على الماء لإطفاء الحريق أو أصاب أحد المارة أذى أثناء جريه لإطفاء الحريق.
المبحث الثاني
الطبيعة القانونية لحالة الضرورة
يختلف الفقهاء في تحديد الطبيعة القانونية لحالة الضرورة وينبع هذا الاختلاف في الأساس من اختلافهم في أثرها القانوني، ففي حين يرى الأغلب منهم إن الضرورة مانع مسؤولية يرى آخر أنها إباحة ويلاحظ أن معظم القوانين تشير صراحة إلى طبيعة حالة الضرورة في نصوصها القانونية بحيث لا تدع مجال الشك حول طبيعتها وينتمي لهذا الاتجاه معظم التشريعات ومنها الكويتي الأردني.
أولاً:التشريع الكويتي: نصت المادة 25 من قانون العقوبات على ما يلي: "لا يسأل جزائيا من ارتكب فعلا دفعته إلى ارتكابه ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم حال يصيب النفس أو المال، إذا لم يكن لإرادته دخل في حلوله ولا في استطاعته دفعه بطريقة أخرى، بشرط أن يكون الفعل الذي ارتكبه متناسبا مع جسامة الخطر الذي توقاه".
ثانيا: التشريع الأردني:نصت المادة 89 من قانون العقوبات على ما يل:" لا يعاقب الفاعل على فعل ألجأته الضرورة إلى أن يدفع به في الحال عن نفسه أو غيره أو ملكه أو ملك غيره خطرا جسيما محدقا لم يتسبب هو فيه قصدا شرط أن يكون الفعل متناسبا والخطر"، ونصت المادة 90 على ما يلي:"لا يعتبر في حالة ضرورة من وجب عليه قانونا أن يتعرض للخطر".
لقد اعتبرا هذين التشريعين وغيرهما حالة الضرورة كمانع مسؤولية أو مانع عقاب، وهذا واضح من خلال عباراتها لا يسأل، لا عقاب، لا مسؤولية جزائية..الخ، وأخذها بذلك يعود لعدم توفر الظروف المادية للتكوين الإداري وفقا لبواعث الجاني، فمن ارتكب الجريمة واقع تحت تأثير أو ضغط الضرورة، وهو بمثابة مكره على ارتكابها حتى وإن كان يمتلك قدرا من حرية الاختيار، فإن مجالها يضيق إلى أدنى حد ممكن، وسواء هدد الخطر نفس الجاني أو نفس غيره أو ماله أو مال غيره بحسب اخذ القوانين بها، تقوم حالة الضرورة لأن غرائز الإنسان تدفعه إلى مثل هذا التصرف، وأبعد من ذلك إن هدد الخطر شخصا آخر لا تربطه به صلة، كالطبيب الذي يقضي على الجنين في رحم الأم لإنقاذ الم، ولطبيب الذي يجري عملية جراحية لمريض دون الحصول على إذنه، فنرى أن حرية الاختيار يضيق نطاقها من ناحية اجتماعية وأخلاقية كون الواجب الأخلاقي والإنساني يفرض عليه القيام بمثل هذا التصرف، ونخلص مما سبق إلى أن الجاني في حالة الضرورة لم يكن حر الاختيار، في تصرفه لدفع الخطر الذي يهدده أو غيره فكانت إرادته مقيدة للحد الذي يكفي لمنع مسئوليته.
المبحث الثالث
شروط حالة الضرورة
حدد المشرع الأردني في المادتين (90،89) من قانون العقوبات الشروط الواجب توافرها لقيام حالة الضرورة ، بالتالي الاعتراف بها لرفع العقاب عن الجاني في الجريمة المرتكبة،كما تجمع أغلب القوانين الوضعية العربية والأجنبية على هذه الشروط مع اختلافات بسيط،سأعرضها مفصلا.
ويشترط لقيام جريمة الضرورة وجود خطر يهدد شخص ما، وفعل يرتكبه هذا الشخص تحت وطأة التهديد السابق، وتناسب بين الخطر والفعل المرتكب، ويتطلب كل من الفعل والخطر شروطا خاصة بهم، وبهذا سأتناولها في ثلاثة مطالب يخصص الأول للخطر في حين يخصص الثاني للفعل، والثالث للتناسب.
المطلب الأول: الخطر
يعرف الخطر بأنه ضرر على وشك الوقوع، ويشترط في هذا الخطر الذي يهدد الشخص ويدفعه لارتكاب جريمة أن يكون جسيما وحالا ومهددا للنفس والمال، ولا دخل لإرادة الجاني في وقوعه، وأخيرا عدم التزام الشخص بتحمل الخطر قانونا، وسأتناول هذه الشروط تباعا:
الشرط الأول: أن يكون الخطر جسيما
تشترط كافة القوانين الوضعية العربية والأجنبية لقيام حالة الضرورة أن يكون الخطر المهدد به الشخص جسيما، فهو شرط لازم ولا غنى عنه. والخطر الجسيم هو ذلك الخطر الذي يحدث ضررا لا يمكن جبره أو إصلاحه إلا بتضحيات كبيرة، أو هو ذلك الخطر غير قابل للإصلاح أو يغلب عدم قابليته للإصلاح على احتمالية إصلاحه أو يتساوى الاحتمالان، فمجرد الإحساس بالجوع أو البرد لا يكفي لتبرير ارتكاب جريمة سرقة لانتفاء الجسامة في مثل هذا الخطر، ومحكمة الموضوع هي التي تحدد جسامة الخطر، وبالتالي تقرر الأخذ بحالة الضرورة أم لا، ومعيارها في ذلك الشخص العادي المتوسط، ومدى تحمله لمثل هذا الخطر، ويتحدد ضابط الجسامة بناء على الصلة بين جسامة الخطر وانتفاء حرية الإرادة، فإذا كان انتفاء الإرادة عائدا لجسامة الخطر الذي يتهدد الفاعل كان الخطر جسيما ومعترفا به للأخذ بحالة الضرورة، ولهذا كان الخطر اليسير نافيا لحالة الضرورة باعتباره غير مؤثر في الإرادة، وتطبيقا لهذا الضابط فإن أي خطر يتحقق فيه عنصر الجسامة سواء انصب على النفس أو على المال أو على نفس الغير أو ماله، وما يتفرع عن النفس من صيانة العرض والشرف والاعتبار (الخطر المعنوي) أو صيانة حق مالي كبير مقابل التضحية بحق مالي أصغر تقوم به حالة الضرورة ويصبح بالتالي مانعا للمسؤولية، وسيرد لاحقا شرح مفصل لمدلول النفس عند الحديث عن شرط النفس والمال، وتطبيقا لذلك حكم في مصر بعدم الإعفاء من العقاب على شاب صغير السن اشترك في إحراز مواد مخدرة مع متهم آخر من أهله يقيم معه ويحتاج إليه، لأنه ليس في صغر السن والإقامة مع المتهم والحاجة إليه ما يجعل حياته في خطر جسيم لك لم يشترك مع المتهم في إحراز هذه المواد.
ويرى بعض الفقهاء أن أي أذي يتعرض له الإنسان يكون كافيا لقيام حالة الضرورة، والاحتجاج بها لرفع المسؤولية عن الفعل، ومن ذلك الجروح الشديدة التي قد يتعرض لها الشخص حتى وإن لم تؤد إلى الموت أو خوف الموت، وما يعد جسيما لشخص ما لا يعد كذلك لغيره، فجروح الوجه تشكل خطرا جسيما للنساء دون الرجال، لما فيها من أذى كبير يصيبهن.
كما لا يخل في مدلول جسامة الخطر إشباع الحاجات الغريزية لدي الإنسان مهما كان نوعها، لأن الخطر المدعي به في مثل هذه الحالات لا يؤدي على انهيار صاحبه أو إصابته بأضرار جسيمة، وعليه لا تعفى المرأة التي تواقع رجلا غير زوجها بسبب إصابة الأخير باللعنة من العقاب استنادا لحالة الضرورة، لأن الخطر الذي يهددها من مرض زوجها ليس جسيما وبالامكان تفاديه بطرق مشروعة أخرى كالطلاق منه والزواج من غيره.
الشرط الثاني: أن يكون الخطر حالا
يشترط في الخطر الجسيم الذي يهدد المتهم أن يكون حالا أو محقق الوقوع، ويقصد بالحلول أن ينذر الخطر بضرر على وشك الوقوع به أو بغيره وفقا للمجرى العادي الأمور، ويخرج بذلك الخطر الذي تحقق وانتهى لإنهاء الخطر قبل اتخاذ أي تصرف تحت وطأة الخطر، وكذلك الخطر المستقبلي لا يعتد به، فمن يتوقع خطرا سيقع به مستقبلا يستطيع تفاديه بوسائل أخرى غير ارتكاب الجريمة، ولكن أن وقع الخطر واستمر جاز الادعاء بحالة الضرورة في أي تصرف يلجأ إليه قبل انتهاء الخطر.
وأما الخطر الوهمي أو التصوري فهو محل خلاف بين فقهاء القانون الوضعي، فيرى بعضهم عدم الاعتراف به، لأن من يقع تحت تأثير أشباح وخرافات تهدده أو تهدد غيره بالقتل لا ينبغي إعفاءه من العقاب، في حين يرى آخرون عكس ذلك إن بنى هذا الوهم على أسباب معقولة، فمن يشاهد دخانا يتصاعد من أحد الأبنية ويسمع صراخ أطفال يخيل إليه أن حريقا نشب في ذلك المنزل مما يدفعه ذلك للاعتداء على بيت مجاور للحصول على الماء لإخماد الحريق، فيفاجئ بعد ذلك أن الدخان ليس ناتجا عن حريق، بل عن عملية شواء وطهي الطعام، وأن الصراخ لعب أطفال، ففي هذه الحالة كان تصور الشخص للخطر مبنيا على أسباب معقولة، بالتالي يستحق أن يحتج بحالة الضرورة، لمنع مسؤوليته، وأما إذا كان توهمه مبنيا على أسباب غير معقولة فلا تقوم حالة الضرورة، ويسأل الفاعل في هذه الحالة مسؤولية غير عمدية إن كان القانون يعاقب على الفعل باعتباره جريمة غير عمدية.
ويقع على عاتق محكمة الموضوع تقدير حلول الخطر وفقا لمعيار الشخص العادي الذي يوجد فبمثل ظروف الفاعل، مع الأخذ بعين الاعتبار واقع وبيئة الفاعل عند مقارنته مع الشخص العادي، فلا نجري المقارنة بين مع يعيش في المدينة مع من يعيش في الريف، لاختلاف ظروف حياتهم وثقافتهم وما يستتبع ذلك من اختلاف تصوراتهم. فما يتوقعه المعلم أو المثقف ليس كما يتوقعه الأمي أو الجاهل في نفس الحالة، وكذلك الأمر بين سكان المدينة والبادية.
الشرط الثالث: أن يكون الخطر مهددا للنفس أو المال
تشترط اللمادة89 من قانون العقوبات الأردني في الخطر الجسيم أن يكون مهدد للنفس أو المال سواء نفسه وماله أو نفس غيره وماله، ويسايرها في هذا المسلك كافة القوانين العربية باستثناء القانون المصري والليبي اللذين يشترطان في الخطر أن يكون مهددا للنفس دون المال، فلا يعتدان بالخطر ولا تعترف بالضرورة وإن كان الخطر مهددا لمال سواء أكان مال الفاعل أو مال غيره، وانقسم الفقهاء بين مؤيد ومعارض لهذا الاتجاه، فمن أيده يرى أن الضرورة تقع على شخص بريء ضحى بمصلحته في سبيل مصلحة الفاعل، وإذا كان فعله هذا مبرر إن كانت المصلحة المحمية هي النفس، ولا يبقى مبررا أن كانت المصلحة هي المال دون النفس، لرفض قبول مبدأ حماية المال مقابل الاعتداء على شخص بريء، زمن عارض هذا الاتجاه يرى بوجوب المساواة بين النفس والمال في جرائم الضرورة، لتفادي الشذوذ الذي يسببه الرأي الأول، ومن هذا الشذوذ إن كانت قيمة المال المهدد بالخطر أكثر من قيمة المال المضحي به في جريمة الضرورة، ومثلها: لمركب المهدد بالغرق، فيلجأ الربان والركاب لاستخدام قوارب صغيرة للنجاة وترك المركب يغرق في عرض البحر مثالها أيضا إن سلب النصوص ملابس شخص، فعليه وفق هذا الرأي أن يسير عاريا في الشارع العام وأن لا يلجأ لملابس أخرى ليستر بها عورته، ومثالها أيضا إذا شب حريق في جزء من المزرعة واحتاج في إطفائها إلى إتلاف بعض الشجار لمحاصرة النيران ومنع امتدادها وبالتالي الحفاظ على باقي المزرعة والأخذ بهذا الرأي يؤدي لمنع قبول ذلك والسماح باحتراق كامل المزرعة وهو أمر غير متصور.
على أنه يشترط في الفعل المرتكب لوقاية المال ألا يؤدي بالتضحية بأحد حقوق الإنسان كالحياة أو سلامة الجسم، بل تكون التضحية بالمال فقط، وإذا اتفقنا على جواز التذرع بحالة الضرورة لحماية النفس والمال على السواء، فهل يقتصر ذلك على نفس الفاعل وماله؟؟ أم يمتد ليشمل نفس الغير وماله؟؟لقد عالج المشرع الأردني هذا السؤال بالنص صراحة على نفس الغير وماله، وسايره في ذلك العديد من التشريعات العربية، ولكن ما أثير هو المقصود بالغير، فهل يشمل أي شخص كان؟؟لم يقتصر على فئة محددة؟ لقد اختلف الفقهاء حول هذه المسألة أيضا بين موسع ومضيق لها، فيري قلة منهم اشتراط أن يكون الغير قريبا أو عزيزا على الجاني ليستفيد من حالة الضرورة، ويعارضهم البقية من الفقه بحجة أن النص جاء صريحا واضحا، ويجب أن يؤخذ على إطلاقه دون تحديد، إلا أن المشرع التونسي عالج هذه المسألة بتحديده الأقارب والأعزاء ممن يستفيدون من حالة الضرورة، مع إعطائها حق الاجتهاد في حال كون الغير أجنبيا.
وأرى أن الرأي الثاني هو الأرجح والأصح، فيؤخذ النص على إطلاقه دون تحديد ولأنه من الصعب بمكان وضع تعريف دقيق للعزيز مما يثير إشكالات كثيرة حول اعتبار شخص ما عزيزا أم لا ! ولا أعتقد أن المشرع التونسي قد حل هذه المشكلة بنصه على الأقارب والأعزاء باعتباره أعطى المحكمة حق الاجتهاد في تقرير اعتبار الغير عزيزا أم لا ؟؟ وبالتالي استفادته من حالة الضرورة، ففي هذا الحق ما لا يوصلنا إلى تعريف واضح ودقيق للعزيز والضابط المعتبر في تحديده، مما يترتب عليه الحكم لشخص أنه عزيز والحكم لآخر أنه غير عزيز مع احتمالية أن يكون العكس هو الأصح، هذا أن لم يكن الاثنان عزيزان أو غير عزيزان، ولهذا نرى من الأفضل أن يبقى الغير بلا تحديد استنادا لعموم النص القانوني.
وبعد أن أجمع أغلب الفقه على الأخذ بالنفس والمال، اختلفوا في مدلول النفس، فهل تشمل كافة احتياجاتها المادية والمعنوية، أم يقتصر الأمر على النفس بالمدلول الضيق لها، وهو الحياة والسلامة الجسيمة ؟؟ فيذهب البعض من الفقه إلى عدم إدخال الشرف، والسمعة والاعتبار في مدلول النفس، باعتبار أن الخطر الذي يهددها عائدا إلى إرادة الفاعل، وأجازوا في النفس الوقت الخطر المهدد للعرض والحرية، فمن يسرق أوراق وبيانات أو يتلفها خشية كشف ما فيها من فضائح مشينة له لا يعد في حالة الضرورة، والفتاة التي تحمل سفاحا لا تعفي من العقاب إن لجأت إلى قتل جنينها بالإجهاض، ويذهب الرأي الأغلب إلى اعتبارها من الحقوق المتصلة بالنفس، والتي تقوم بها جريمة الضرورة، فمن تفقد ملابسها بسبب حريق نشب في منزلها، وتلجأ لبيت مجاور للحصول على ملابس لها لتحفظ بها عورتها، ومن يجد صورة زوجة صديقه بلبس غير لائق على شباك أحد محلات التصوير فيضطر لتمزيقها، يعد في حالة الضرورة لحماية شرفها وعرضها.
وأرى أن الرأي الثاني والموسع لمدلول النفس هو الأصح والأرجح باعتباره أن الشرف والسمعة والاعتبار أمور تهم الإنسان أكثر من حياته في كثير من الأوقات فهو يضحي بحياته أحيانا لصيانة شرفه وعرضه، وعليه أصبح لزاما أن يتضمن مدلول النفس كل هذه الاعتبارات ولا نقصرها على الحياة والسلامة الجسيمة.
وبقي أن أشير إلى أنه يخرج من مدلول النفس والمال الحرمان من مصلحة مادية أو معنوية، كالحرمان من وظيفة أو توقيع جزاء إداري أو ما إلى ذلك، فلا يعد حرمان شخص من وظيفته خطرا يهدده مما يعطيه الحق في ارتكاب فعل إجرامي متذرعا بحالة الضرورة.
الشرط الرابع: لا دخل لإدارة الفاعل في حلول الخطر
تشترط معظم القوانين بالا يكون لإدارة الفاعل في حدوث الخطر الذي ألحق الضرر به أو بغيره، وعلى ذلك يخرج من دائرة الضرورة الخطر الذي يهدد الفاعل إن نجمع نعمل قام به بنفسه، ولا يعني ذلك تعمد إحداث السلوك الإجرامي بل تعمد إحداث الخطر، فإن كان السلوك غير العمد هو السبب وراء الخطر كان للمضطر التذرع بحالة الضرورة، كمن يشعل نارا للتدفئة ـ فتمتد لتشمل البيت كاملا أو جزءا منه، فيضطر إلى الهرب مسرعا فيصيب أثناء خروجه أحد الأشخاص فيوقعه ويسبب له جروحا، أو أن يلجأ هذا المضطر إلى البيت المجاور للحصول على الماء لإخماد الحريق، فالفاعل في هذه الأحوال لم يتعمد إحداث الخطر وهو الحريق، ولكنه تعمد السلوك وهو إشعال النار، وليس لمن تآمر مع غيره على ارتكاب جريمة الدفع بأنه كان في حالة إكراه وبأنه يود العدول في آخر لحظة عن ارتكاب الجريمة ولكن منعه رفاقه من ذلك. ولا يعترف بحالة الانفعال أو العصبية أو الهياج التي قد تدفع الشخص لارتكاب الجريمة، مهما كانت مبرراتها للتذرع بحالة الضرورة، كما لا يحق لمن لا يفاجأ بالخطر لا لعلة به بل لأنه هو من أراد ذلك الخطر وأوجده أن يتذرع بحالة الضرورة، كمن يخشى على نفسه الهلاك جوعا أو عطشا ويلجأ إلى السرقة لسد حاجته من جوع وعطش، وكان تقاعسه عن العمل هو السبب فيما حل به.
فالمغزى من هذا الشريط هو تحقق المفاجأة للفاعل بحيث لم يكن يتوقع حدوث مثل هذا الخطر، الأمر الذي يجبره على القيام بأي فعل حتى وإن أدي ارتكابه للجريمة. فإن انتفى عنصر المفاجأة لم يعد الباب مفتوحا الاحتجاج بحالة الضرورة، ولكن ليس الخطأ بجميع درجاته فالخطأ العادي لا ينفي عنصر المفاجأة، ويبقى للفاعل حقه في الاحتجاج بحالة الضرورة للمنع عقابه عن فعله، كمن يشعل سيجارة وينام فيندلع حريق في البيت فيلجأ لبيت جاره لإطفاء الحريق، أما الخطأ في الجرائم غير العمدية فلا يحقق عنصر المفاجأة، لتوقع حدوث الخطر، فمن يتسبب في إحداث حريق ثم يهرب من مكان الحريق فيصيب آخر أثناء جريه لا يستطيع الاحتجاج بحالة الضرورة، لانتفاء عنصر المفاجأة وتوقعه حدوث هذا الخطر، ويرى البعض أن فعل الجاني وإن كان يلزم أن يكون إراديا متعمدا إلا أنه لا يلزم أن يكون ما أتاه جريمة عمدية، فقد يكون فعله خطا مع تبصر، فمن يعلم أن كلبا عقورا يلجأ إلى التحرش به فينقض عليه مريدا إيذائه فيضطر لقتله، لا يعفى عن المسؤولية، باعتبار إرادته مصدر الخطر الذي لحقبه وهي نتيجة منطقية ومتوقعة لما قام به، فانتفى بذلك عنصر المفاجأة والذي لا غني عنه للاحتجاج بحالة الضرورة.
وفي حال توقع الشخص حدوث الخطر، واتخذ الإجراءات الاحتياطية اللازمة لدفع هذا الخطر ولكنها لم تكن كافية بالقدر المطلوب، مما أدى إلى تحقق الخطر، وبالتالي ارتكابه جرما للخلاص من الخطر، فهل يستفيد الجاني من حالة الضرورة لدفع المسؤولية عنه؟ نلاحظ أن القانون اشترط تعمد الخطر وليس الخطأ في التوقع، فهو توقع الخطأ واتخذ الاحتياطيات التي اعتقد بكفايتها لدفع الخطر ، ولكنه تفاجأ بالخطر يداهمه مما ألزمه ذلك بارتكاب الجريمة لتفادي هذا الخطر.
وأرى أن الخطأ في الجرائم غير العمدية والخطأ مع التبصرلايحقق عنصر المفاجأة، والذي بدونه لا تقوم حالة الضرورة وبالتالي يسأل الفاعل عن فعله باعتباره كامل الحرية في تصرفه، أما الخطأ العادي الذي يقع به أي إنسان فيحقق عنصر المفاجأة، وبالتالي يسمح للفاعل بالاحتجاج بحالة الضرورة لدفع المسؤولية عن سلوكه الإجرامي، وكذا القول فيمن اتخذ إجراءات احتياطية لمنع حدوث الخطر، ولكن لم تسر الأمور على المتوقع فما كان بالخطر إلا أن حل به، مما دفعه لارتكاب الفعل الإجرامي لتفادي هذا الخطر، ففي مثل هذا الحال تحقق عنصر المفاجأة في الخطر مما يبيح له الاحتجاج بحالة الضرورة والقول بعكس ذلك يؤدي إلى نتائج شاذة لا يقبل بها أحد، ومن ذلك تقاعس وتباطؤ الكثيرين ممن تتطلب وظائفهم ومهنهم ممارسة أعمال قد تلحق بهم أو بغيرهم الأذى، خوفا من عقابهم على أيتصرف يلجأون إليه تحت وطأة تأثير هذا الخطر، لذلك كان منع مسؤوليتهم عما يلجأون إليه من أفعال يجرمها القانون هو الأولى والأصح، وإلا أدى خلاف ذلك إلى تعطيل إنجاز الكثير من الأعمال التي لا غنى عنها.
الشرط الخامس: عدم التزام الشخص بتحمل الخطر
يلزم القانون بعض الفئات من الأشخاص بمواجهة خطر ناتج عن طبيعة عملهم، حيث لا يجوز التصدي لهذا الخطر بوسائل إجرامية غير مشروعة، وبالتالي عدم الاحتجاج بحالة الضرورة لتبرير الفعل الإجرامي المرتكب لتفادي مثل هذه الأخطار.
وقد نص القانون الأردني على هذا الشرط صراحة، فيما خلت بقية القوانين من مثل هذا النص، مع إمكانية افتراضه حكما في القوانين التي لم تنص على مثل هذا الشرط لن الأخذ بخلاف ذلك يؤدي إلى تعطيل الحقوق وأداء الواجبات التي يفرضها القانون، فلا يعقل أن يطلب الشارع ممن ألزمه بعمل ما أن يتهرب منه محتجا بحالة الضرورة.وعلة هذا الشرط هي المعرفة السابقة لمثل هؤلاء بالخطر الذي سيحل بهم بسبب مزاولتهم أعمالهم،ومواقفهم على القيام بهذه الأعمال ، وبالتالي انتفاء صفة المفاجأة في الخطر الذي سيهدده ، ولهذا لا يعفي رجل المطافئ من العقاب إن لجأ لارتكاب جرما ما لتفادي خطر حاق به جراء عمله، وكذلك لا يحق لمن صدر بحقه حكم الإعدام الاحتجاج بحالة الضرورة للتخلص من تنفيذ الحكم بحقه.
وعلة هذا الشرط هي المعرفة السابقة لمثل هؤلاء بالخطر الذي سيحل بهم بسبب مزاولتهم لأعمالهم، وموافقتهم على القيام بهذه الأعمال، وبالتالي انتفاء صفة المفاجأة في الخطر الذي سيهدده، ولهذا لا يعفى رجل المطافئ من العقاب أنلجأ لارتكاب جرما ما لتفادي خطر حاق به جراء عمله، وكذلك لا يحق لمن صدر بحقه حكم الإعدام الاحتجاج بحالة الضرورة للتخلص من تنفيذ الحكم بحقه.
وبقي أن أشير على مسألة هامة وهي مقاومة رجال السلطة، فهل يجوز الاحتجاج بحالة الضرورة لمقاومة رجال السلطة، ومنعهم من أداء واجبهم القانوني؟ فيذهب اتجاه من الفقهاء إلى عدم جواز منح الأفراد حق مقاومة رجال السلطة لأن في ذلك تعميما للفوضى، وهذا ما لا يقبله قانون، في حين يرى اتجاه ثان إمكانية مقاومة رجال السلطة متى شاب ففعلهم عيب ينفي الشروط الواجب توافرها، واستند في هذا الرأي لإعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1793 في المادة26، والتي تعتبر كل فعل غير مستوف للشرائط والأشكال القانونية عملا استبداديا، يحق لمن صدر بحقه أن يقاومه بالقوة، ويرى اتجاه وسط إجازة المقاومة إن كانت عدم المشروعية في فعل الوظائف واضحة بشكل مباشر.وأرى أن الرأي الوسط هو الأصح بين الآراء السابقة ، باعتبار أن رفض المقاومة نهائيا أمر غير مسوغ خاصة إذا شاب عمل رجال السلطة خطأ واضح ، كما أن تطلب معرفة إن كان عمل رجال السلطة مختل الشروط والأشكال أمرا غير مقدور عليه عند عامة الناس لجهلهم بتفاصيلها ، وذلك كان الرأي المتوسط هو الأرجح والأقدر على التطبيق.
المطلب الثاني: الفعل
يشترط في الفعل حتى تكتمل حالة الضرورة توفر شرطين الأول: أن يكون الفعل هو الوسيلة الوحيدة للتخلص من الخطر، والثاني: أن يكون من شأن الفعل التخلص من هذا الخطر.يشترط لتوافر حالة الضرورة ألا يكون في قدرة الجاني دفع الخطر الذي يهدده بوسيلة أخرى غير الجريمة التي ارتكبها، فإن كان أمامه طريق آخر لتفادي هذا الخطر، ولا يشكل جرما ولكن أخف من الوسيلة التي تخلص بها من الخطر حرم من حقه التذرع بحالة الضرورة ومنع مسئولية، فالخطر الذي يهدد النفس يمكن دفعه بأحد جرائم المال، كما يجوز دفعه بجريمة من جرائم النفس، باعتبار الأنفس سواء أما القانون ، فما أمك دفعه بجريمة أقل جسامة لا يجوز دفعه بجريمة أكبر جسامة،وهذه المسألة موضوعية يتوقف تحديدها على الظروف وملابسات الخطر والجريمة المرتبكة لتفادي هذا الخطر، وعلى قاضي الموضوع تقريرها تبعا لظروف الجاني والحالة التي كان عليها.
فإن تبين لقاضي الموضوع أن الجاني لم يكن أمامه من وسيلة أخرى لتفادي الخطر الذي يهدده أي لم تكن إرادته كاملة الحرية في أن يرتكب الجريمة أم لا، أخذ بحالة الضرورة لمنع مسئوليته، ويرى البعض أن هذا الرأي مبالغ فيه، لأن من النارد أن يكون هناك وسيلة واحدة لدرأ الخطر، فيعد بذلك العمل ضروريا بالرغم من توفر عدة وسائل تحقق الهدف، مع إمكانية أن تكون مشروعة إلا أن الجاني اختار الوسيلة التي يراها مناسبة لتحقيق غايته وفي حال رأى قاضي الموضوع أن بامكان الجاني إتباع وسيلة أخرى لا تشكل جريمة أو تشكل جريمة ولكن خطرها أقل من الجريمة التي ارتكبها وجب الحكم عليه بانتفاء الضرورة وبالتالي محاسبة الفاعل عن جريمته.
وقد تتجه إرادة الجاني إلى التخلص من الخطر بفعل مباح، ولكن تسير الأمور على غير هواه، فتصيب فعله حقا للغير بفعل يشكل جرما، وفي هذه الحالة تتوافر حالة الضرورة، كمن يهرب مسرعا للخارج من مبنى شبت فيه النيران، فيلقي في طريقه شخصا فيصدمه، ويسبب له الأذى، ففي مثل هذه إحالة وغيرها لم يتعمد الجاني إيذائه الغير، ولكنه فوجئ بهذا الشخص أمامه فما كان منه أن يصطدم به، ويوقعه ويؤذيه.
ويثور تسائل حول ارتفاع الفاعل في حالة الضرورة بغض النظر عن الجريمة والأضرار المترتبة عليها؟؟ فإذا هدد خطر حياة إنسان وكان الطريق لإنقاذه نفسه من هذا الخطر يتطلب منه ارتكاب جريمة تلحق الأذى بعدة أشخاص ،مثالها إن هدد شخص يعمل طاهيا بوضع السم في الطعام لمجموعة أشخاص مقابل إطلاق سراح ابنه أو قريب له احتجز رهينة عند من يهدده، فهل يعتبر مضطرا لارتكاب مثل هذه الجريمة وإن أودت بحياة عدد من الأشخاص مقابل إنقاذ نفسه وابنه أو قريب له ؟ وبمعنى أن ترتفع المسؤولية رغم خطورة النتائج ؟ والإجابة تكون بالنظر إلى مركز الجاني ومدى حريته في الاختيار بين الشرين الذين يهددانه، واختياره أخفهما، هذا إن كان الخطر يهدد نفسه أو قريبا له، أما إن كان يهدد غيره ممن لا تربطه به رابطة قوية فلا يعذر عن جرمه، وكان أولى به أن يضحي
به في إنقاذ حياة الأغلبية مراعيا بذلك مصلحة الجماعة والوطن، وهذا الرأي ينبع من معرفة تامة بغريزة وضعت في نفس الإنسان تقضي بأن ينجي الإنسان نفسه أو قريبا من أي خطر يهدده مهما كانت الآثار المترتبة على فعله.
ويرى البعض أن الهرب يعد من وسائل الدفاع في الضرورة باعتبار أن الضرورة مشروعية ضد مشروعية، على العكس من حق الدفاع الشرعي الذي لا يشترط فيه الهرب باعتباره مشروعية ضد عدم مشروعية.
ولكن إن وقع غلط في الوسيلة الوحيدة فهل يترتب عليه امتناع المسؤولية أم لا ؟ وهنا نفرق بين أن كان أمام الفاعل وسيلة واحدة أو عدة وسائل، فإن الغلط في الوسيلة الوحيدة ترتب عليه امتناع قيام حالة الضرورة، أما أن تعددت الوسائل واختيار أحدهما فإن الغلط يصلح مانعا للمسؤولية الجنائية طالما أن الإنسان العادي من شأنه أن يقع في مثله، وعلى الجاني أن يثبت أن هذه الوسيلة هي أفضل الحلول حتى وإن لم يحقق الفعل نتائجه المطلوبة منه، مادام التناسب قائما بين الأضرار.
فقد حكم في أمريكا ببراءة الربان من تهمة الرسو غير القانوني في الميناء، لأنه استهدف حفظ المركبة أو الشحنة من خوض العواصف، وهنا استخدم أفضل الوسائل وليس الوسيلة الوحيدة، لأن بامكانه الاتجاه نحو الجنوب لتفادي خطر العواصف، ولكن اختياره كان الأفضل.
الشرط الثاني: أن يكون من شأن الفعل التخلص من الخطر:
يشترط في الفعل المركب أن يؤدي التخلص من الخطر، وهذا يعني ضرورة قيام علاقة سببية بين الخطر والفعل، بحيث يكون الفعل استجابة طبيعية للخطر، فإن انتفت هذه العلاقة أصبح من غير الممكن الاحتجاج بحالة الضرورة لمنع المسؤولية عن الفعل المرتكب.
فإن أشعل شخصا نارا في أحد الأماكن العامة، وقام آخر بقتله أو إيذائه، لا يعد في حالة الضرورة، لأن ليس من شأن فعله هذا أن يمنع وقوع الخطأ، ولكن هل يشترط النية في جرائم الضرورة؟لقد اختلفت الآراء حول هذه المسألة بين مؤيد ومعارض، ففي حين يذهب البعض إلى إجازة الاحتجاج بحالة الضرورة إن كان الفاعل سيء النية وقصد من فعله الثأر والانتقام، واستندوا في ذلك لعدم اشتراط حسن النية في نص القانون، ولكن اشترطوا في نفس الوقت أن يكون الخطر حقيقيا، أو وهميا بني على أسباب غير معقولة حكم بانتفاء حالة الضرورة وبالتالي الوقت أن يكون الخطر حقيقيا، أو وهميا بني على أسباب غير معقولة حكم بانتفاء حالة الضرورة وبالتالي مساءلة الفاعل عن جريمته.
ويذهب البعض الآخر إلى عدم جواز الاحتجاج بحالة الضرورة متى كان الفاعل سيء النية، حيث لا اضطرار في غير مجال التخلص من الخطر، حتى وإن أدى ذلك للتخلص من الخطر، فمن يرى اثنين على خشبة قارب في عرض البحر مهددا بالغرق لثقل حمولته، وكان أحد ممن علىالقارب قريبا له، فعمل على إلقائه في البحر للانتقام منه، لا يستطيع الاحتجاج في مثل هذه الحالة بحالة الضرورة، وحتى وإن أدى فعله لإنقاذ الغير، واستثنى هذا الرأي حالة إن كان يراد من الفعل درء الخطر والانتقام معا فتقوم بذلك حالة الضرورة، ومتى توافر شرط لزوم الفعل وشروط الضرورة الأخرى فإنه يستوي أن تكون الجريمة عمدية من جرائم النفس أو المال على السواء.
المطلب الثالث: التناسب
ينص قانون العقوبات الأردني صراحة في المادة 89 على اشتراط التناسب بين الفعل والخطر ويوافقه في الرأي ذلك قانون العقوبات، فيحين لمك يشترط قانون العقوبات المصري لمثل هذا الشرط، ولا يعني هذا عدم تطلبه توافر التناسب، وإنما الاكتفاء باشتراط لزوم الفعل وهذا هو موقف أغلب الفقه المصري، في حين يرى قله اشتراط التناسب سواء نص عليها القانون أم لم ينص باعتبار أمر مفترضا ضمنا.
ويقصد بالتناسب والتوازن بين الأضرار، فعلى الجاني أن يقيم توزنا صحيحا بين المصالح المتصارعة باعتبار الضرورة مشروعة ضد مشروعية، فيسأل الجاني عن الوسائل والأهداف معا وليس كما هو الحال في حق الدفاع الشرعي والذي يسأل فيه الفاعل عن الوسائل دون الأهداف، وبذلك يكون التناسب في حالة الضرورة ذا طابع مطلق وفي حق الدفاع الشرعي نسبي، ولا يعني هذا القول أن ننظر إلى التوازن بمعيار مطلق وإلا انتفت حالة الضرورة في جرائم لا يختلف أحد على ارتكابها تحت تأثير الضرورة ومثالها رجل المطافئ الذي يضحي بنفسه لإنقاذ بيت قد يخلو من السكان، فإن طبقنا في مثل هذه الحالة معيارا مطلقا لماكان واجبا على رجل المطافئ التضحية بنفسه إن غلب على ظنه إن السكن خاليا من السكان، فالطابع النسبي هو المطبق في هذه المجال.
ويمكن تحديدي معيار التناسب بأن يكون الفعل المرتكب أقل الأفعال التي من أنها درء الخطر والتي كان في وسع الفاعل القيام به، أي أن تكون الجريمة أهون ما يمكن للفاعل أن يرتكبه بحسب ما كان في متناوله من الوسائل. فمن يستطيع درء خطر عن طريق فعل يهدد نفسا واحدة يسأل إن درء عن طريق فعل يهدد عدة أنفس.
وإن إلزام الجاني بشروط وسيلة الحل دون شروط تحقيق الهدف لا يبرر قيام بعض حالات الضرورة ومنها قيام الطبيب بقتل الأم لإنقاذ الجنين، ومن ينحرف بسيارته لتفادي حادثا بسيطا فيصطدم بمجموعة من المارة على الرصيف. ففي هذه الأمثلة كان الفعل لازما، وبالتالي توافرت شروط وسيلة الحل هناك تناسبا بين الأضرار، فلا يعقل أن يضحي بحياة الأم لإنقاذ الجنين ولا من صدم أشخاص لتفادي حادث بسيط.
فاشتراط التناسب أمر لا غنى عنه بالإضافة لشرط اللزوم، وهذا هو الرأي الأرجح والذي أخذ به أغلب الفقه كما يبق وذكرت.
ومتى تخلف التناسب حكم برفض الحكم بحالة الضرورة، ومثال ذلك قضية الشخص الذي طلبت إليه دورية من الألمان معلومات عن قرية فرنسية وهددوه بقتل أصحابه، فأحضر لهم المعلومات وقصفوا القرية، وقتل الكثير ممن هم فيها وحكم عليه بالسجن خمس سنوات، وطعن بقرار سجنه ورفض طعنه لتخلف التناسب بين الأضرار، في حين أن عدم المشروعية هو وراء الحكم برد الطعن وليس تخلف التناسب، ويرى البعض صحة الحكم السابق وأن تخلف التناسب قائم بالإضافة للقول بأن الخطر يعد غير مشروع لانتفاء سنده القانوني، ولهذا تخلف شرط آخر من شروط الضرورة فلو انتفي عنصر الوطنية لكان بالامكان إقامته على تخلف التناسب فقط ويصبح كالسائق الذي يتفادى الاصطدام بشخص فينحرف باتجاه آخر فيصيب عدة أشخاص فانتفى بذلك السند القانوني، والفعل الضروري الذي ارتكبه هو الوسيلة الوحيدة التي أمامه لتفادي الخطر، فتخلف شرط التناسب لفقده حق التذرع بحالة الضرورة ومثلها السائق الذي يبرز له كلب كبير في طريقه وخوفا من الاصطدام لبه وتفاديا لإصابة السيارة بأضرار انحرف إلى اليسار فاصطدم بسيارة أخرى مما تسبب عنه أضرار لسيارته للسيارة الأخرى، فالخطأ في الموازنة بين الأضرار كانت وراء رفض الضرورة.وقد تقوم حالة الضرورة عندما يكون هناك تفاوت بين المصالح المتصارعة ، ومال ذلك امرأة التي تسرق لإنقاذ أطفالها فالفارق بين مصلحة المرأة وأطفالها من خطر الجوع والموت وخطر سرقتها الغذاء واضح وملحوظ وكقائد السفينة الذي يضحي بحمولة السفينة لإنقاذ الركاب ، وقد يتحقق عنصر التناسب بين الأضرار في المصالح المتفاوتة ومع ذلك ترفض الضرورة وكرد هذا الرفض هو تخلف شروط أخرى غير التناسب ، ومثال ذلك اغتصاب الشقق ، ففي ها المثال صراع بين الملكية وحق الحياة، ومما لا جدال فيه أن حق الحياة أسمى من حق الملكية ، والتوازن بين الضرار قائم ولكن رفض الحكم بحالة الضرورة في مثل هذه الحالة عائدا للخطأ السابق للفاعل وليس لتخلف التناسب.
وقد يتحقق التوازن بين الأضرار في الصراعات المتكافئة الأطراف أيضا. ومن أمثلة ذلك أن يقود سيارة ويفاجأ بسيارة مسرعة من الاتجاه المعاكس، فينحرف إلى اليمين لتفادي الاصطدام بها في الوقت الذي كان أحد المارة يقود دراجته على يساره مما أدى إلى إصابته وإلحاق الأذى به، فتحقق التناسب بين الأضرار، وهذا واضح من خلال أن تخلف الفعل الضروري سيرتب اعتداء على السلامة الجسيمة للمتهم في حين تحقق الفعل ونتج عنه إحداث النتيجة لمجني عليه، فنلاحظ تساوي المصلحتين وقيام حالة الضرورة في نفس الوقت.
ولكن ما الحكم في ما لو وقع غلط من الفاعل في تقديره الموازنة بين الأضرار؟؟
فهل تبقى حالة الضرورة قائمة لم تنتفي ؟؟ كمن يضحي بالمصلحة الأكبر قيمة لإنقاذ المصلحة الأقل قيمة كتضحية الطبيب بحياة الأم لإنقاذ الجنين.
يكاد يجمع الفقهاء على اعتبار الغلط في التناسب محققا للمسؤولية الجنائية عن الفعل المرتكب مع اعتباره في نفس الوقت عذرا مخففا للعقوبة، والعلة في تحقق المسؤولية الجنائية عن الفعل المرتكب هي أن الفاعل في جرائم الضرورة يعد القاضي الفوري المقرر لما عليه فعله وقاضي الموضوع هو المراقب العام على هذا الفعل والمحدد للقيمة التي يحب أن يضحي بها ويسأل بالتالي عن سلوكه الإجرامي باعتباره جريمة معاقب عليها.
وبقي الإشارة لمسألة الجهل بقيام التناسب سواء رافق هذا الجهل سوء نية للفاعل أو حسن نيته، ومثال الأول من يكسر باب منزل جاره للانتقام منه، ويتضح فيما بعد لأنه لولا الكسر لمات جاره خنقا بروائح الغاز المتصاعدة من فرن الغاز. ومثال الثاني القابلة التي تجري عملية إجهاض لامرأة مقابل أجر وهي تعلم أن الحمل يسير بشكل اعتيادي، ويتضح بعد ذلك أن الإجهاض أنقذ الأم من خطر محقق يهدد حياتها، فنلاحظ في المثال الأول أن الفاعل تصرف بسوء نية وفي المثال الثاني توافر لدي القابلة جسن النية مع جهلها بقيام التناسب. والذي يهمنا في هذا المقام مسؤولية الفاعل عن فعله، فهل يستفيد الفاعل في هذه الأحوال من حالة الضرورة لتبرير أم أن جهله يحرمه من هذه الفائدة ؟؟ يرى أغلب الفقهاء إباحة السلوك في مثل هذه الأحوال ولو كان الفاعل جاهلا بتوافر التناسب لأن أسباب الإباحة موضوعية ويستفيد منها حتى وإن كان يهدف من فعله الانتقام وللتشفي، ويرى آخرون عكس ما ذهب إليه الرأي الأول باعتباره أن السبب المبيح يقوم على نفسية الفاعل إلى جانب قيامه على الموضوع الخارجي للفعل، ويتوسط رأي أخير الموقف بحيث تقوم المسؤولية الجنائية متى كانت دوافعه خبيثة ونيته سيئة، وترتفع متى كان حسن النية.
والذي أراه هو تحقق جريمة الضرورة على الرغم من توفر الجهل لدي الفاعل باعتبار أن المشرع الأردني وغالبية التشريعات لم تشترط حسن النية في حالة الضرورة، كما أن توفر كافة شروط الضرورة بما فيها التناسب والموازنة بين الأضرار كفيل بعدم إهدار المصالح المشروعة للغير حتى وإن كان الفاعل سيء النية.
المبحث الرابع
آثار حالة الضرورة
المطلب الأول: آثار حالة الضرورة في القوانين الوضعية
يترتب على الأخذ بحالة الضرورة آثار جنائية وأخرى مدنية، وتختلف هذه الآثار تبعا للاختلاف حول طبيعتها القانونية فاعتبارها مانع مسؤولية يترتب عليها آثار الجنائية لحالة الضرورة، وثانيا الآثار المدنية.
الفرع الأول: آثار حالة الضرورة الجنائية:
تختلف الآثار الجنائية التي ترتبها حالة الضرورة تبعا للاختلاف بين كونها مانع مسؤولية أو سبب إباحة، ولذلك سأتناول أولا آثار حالة الضرورة الجنائية بوصفها مانع مسؤولية، وآثارها بوصفها سبب إباحة ثانيا.
أولاً: آثار حالة الضرورة بوصفها مانع مسؤولية
يترتب على حالة الضرورة بوصفها مانع مسؤولية الآثار الجنائية التالية:
1-عدم مشروعية الفعل باعتباره سلوكا ‘إجراميا لا يقره القانون، وكل ما هنالك هو تخلف الركن المعنوي للجريمة لانتفاء الإثم من قبل الفاعل.
2- يترتب على القول بعدم مشروعية الفعل إمكانية مقاومة الغير له دون استثناء فعلا يعقل إلزام الأفراد باتخاذ موقف سلبي أمام الأعمال غير المشروعة، بذلك يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد فعل الضرورة باعتبار الضرورة مشروعية ضد مشروعية.
3- لا يستفيد المساهمون في فعل الضرورة من شركاء وفاعلين من مانع المسؤولية في حالة الضرورة غلا إن توافر لكل واحد منهم شروط الضرورة نتيجة مساهمته في الفعل، ويكون هذا سببا خاصا لكل واحد منهم لامتناع مسؤوليته الجنائية دون المدينة فإن لم تتوافر شروط الضرورة بحقهم وجب مسائلتهم مسئولية كاملة عن الفعل الإجرامي للمساهمين فيه.
ثانيا: آثار حالة الضرورة الجنائية بوصفها سبب إباحة
يترتب على حالة الضرورة بوصفها سبب إباحة الآثار الجنائية التالية:
1- عدم مشروعية الفعل باعتباره سلوكا إجراميا لا يقره القانون، وكل ما هناك هو تخلف الركن المعنوي لجريمة لانتفاء الإثم من قبل الفاعل.
2- يترتب على القول بعدم مشروعية الفعل إمكانية مقاومة الغير له دون استثناء فعلا يعقل إلزام الأفراد باتخاذ موقف سلبي أمام الأعمال غير المشروعة، بذلك يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد فعل الضرورة باعتبار الضرورة مشروعية ضد مشروعية.
3- لا يستفيد المساهمون في فعل الضرورة من شركات وفاعلين من مانع المسؤولية في حالة الضرورة إلا أن توافر لكل واحد منهم شروط الضرورة نتيجة مساهمته في الفعل، ويكون هذا سببا خاصا لكل واحد منهم لامتناع مسؤوليته الجنائية دون المدينة فإن لم تتوافر شروط الضرورة بحقهم، وجب مسائلتهم مسؤولية كاملة عن الفعل الإجرامي للمساهمين فيه.
ثانيا: آثار حالة الضرورة الجنائية بوصفها سبب إباحة
يترتب على حالة الضرورة بوصفها سبب إباحة الآثار الجنائية التالي:
1- مشروعية السلوك الإجرامي الذي آتاه الفاعل.
2- باعتبار الفعل الإجرامي الذي أتاه الفاعل مشروعا، فلا يجوز مقاومة هذا الفعل بأي حال من الأحوال، وذلك لا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد فعل الضرورة، لأن الدفاع الشرعي يتطلب اعتداء غير مشروع، وهذا مما لا يتوافر في حالة الضرورة باعتبارها مشروعية ضد مشروعية، فإن قام أحد بمقاومة فعل الضرورة، كان للفاعل في فعل الضرورة مقاومة الفعل استنادا لحق الدفاع الشرعي باعتبار دفاع الأول غير مشروع لأنه موجه ضد فعل مشروع.
ولكن يجوز مقاومة هذا الفعل بحالتين:
الحالة الأولى: حالة الخطر التصوري الذي يقع فيه الفاعل في حالة الضرورة، فيجيز للغير مقاومة هذا الفعل باستخدام حق الدفاع الشرعي ويكون فعله في هذه الحالة مباحا، ويسأل الأول عن فعله المستند للخطأ إلا إذا ثبت إنه مبني على أسباب معقولة تقدر المحكمة صحتها.
والحالة الثانية: وهي إن يعلم الغير أن الفاعل تصرف تحت تأثير حالة الضرورة ويقابل فعله استنادا لحق الدفاع الشرعي، كمن يقوم بتحطيم باب منزل جاره للحصول على الماء لإطفاء الحريق الذي شب في منزله فيعتقد جاره بأنه يود سرقة منزله فيقاومه استناد لحق الدفاع الشرعي. ففي مثل هذه الحالة يستفيد الفاعل الأول من الإباحة لتوافر شروطها ولا يعفي الثاني إلا بناء على قواعد الغلط في الإباحة.
بالإضافة إلى عدم تطبيق أي جزاء قانوني على الفاعل في حالة الضرورة، فإنه لا يفرض عليه أي تدبير احترازي، باعتبار الفاعل لا يمثل خطورة إجرامية على المجتمع، فلم يكن بحاجة لاتخاذ أي تدابير لتفادي خطورته.
يستفيد المساهمون في السلوك الإجرامي في حالة الضرورة، وبالتالي لا تقع عليهم أية عقوبة مهما كان نوع الجريمة المرتكبة، باعتبار حالة الضرورة سبببا عاما للإباحة.
الفرع الثاني
آثار حالة الضرورة المدنية
يتطلب لمساءلة شخص بالتعويض عن جرم ارتكبه أن ينسب إليه خطأ، وعلى أساس هذا الخطأ يمكن مطالبته بتعويض التضرر عن الضرر الذي لحق به، ولكن المشكلة التي تثار في حالة الضرورة هي عدم إمكانية إسناد الخطأ للفاعل سواء اعتبرنا حالة الضرورة سبب إباحة حيث أن الفعل المباح لاخطأ فيه ولا يعقل أن نطالب شخصا بالتعويض عن عمل مباح قام به، فلا خطأ فيما هو مشروع وكذلك الحال لا يمكن إسناد الخطأ إلى الفاعل عندما تكون حالة الضرورة مانع مسؤولية وذلك لانتفاء الإثم من جانب الفاعل.
بهذا نجد عدم إمكانية نسب الخطأ إلي الفاعل في أي من الوصفين السابقين ومع هذا فإن اغلب التشريعات إن لم يكن جميعها تقر بوجوب تعويض المتضرر من حالة الضرورة، وهنا تثور المشكلة والتي عجز الفقهاء عن إيجاد حل شاف لها وكل ما هنالك هي اجتهادات لا تخلو من انتقادات لاذعة.
ونستطيع أن نقسم الآراء الفقهية والاجتهادات إلى قسمين، يقيم الاتجاه الأول المسؤولية استنادا إلى فكرة الخطأ (المسؤولية الشخصية)، ويقيم الاتجاه الثاني المسؤولية على فكرة الضرر(المسؤولية الموضوعة )ويضع كل منهم ما يعزز ذلك من حجج وبراهين، وسأحاول بيان ذلك بشكل مختصر لأن تفصيله يحتاج إلى بحث متخصص.
فيذهب الاتجاه الأول إلى أن الخطأ هو فقط الموجب للمسؤولية المدنية، وانتفاءه ينكر هذه المسؤولية، ويبرر ذلك بالحجج التالية:أولا: أنه من غير المنطق أن يسأل أحد عن تعويض ضرر لم يكن وقع بخطأ منه، وفي ذلك تحقيق العدالة والمنطق، ومن جهة أخرى فإن الإنسان لا يستطيع أن يعيش دون أن يخطئ، فهل نطالب من يمارس حقه بتعويض كل متضرر من استعمال هذا الحق؟ وإن جاز ذلك لكان من الأولى عدم منحه مثل هذا الحق . وثانيا: يروا إمكانية التوسع في الخطأ بحيث يعد كل خطأ ولو كان تافها ملزما مرتكبه بتحمل مسؤوليته للتعويض عن الضرر القائم.
ويرى البعض إمكانية إسناد الخطأ إلى الفاعل في حالة الضرورة وذلك باعتبار أن كل خطأ يلحق بشخص من آخر غير مشروع ما لم يستند إلى حق يخوله إياه القانون، ولا يحق في حالة الضرورة وبذلك كان المضطر مخطئا وبالتالي يلزم بالتعويض عن الضرر الحاصل. هذا بالإضافة إلى أن الضرورة قد تظهر بمظهر السلوك الإجرامي المعاقب عليه، وفي هذه الحالة يتحول الخطأ من جانب الفاعل ويلزم بالتعويض. وانتقدت هذه النظرية لعدم اتفاق أنصارها على وصف حالة الضرورة بالمشروعية أو عدمها فليس من المنطق وصفها بأنها مشروعة تارة وغير مشروعة تارة أخرى.
وذهب بعض الفقهاء عن التعويض عن حالة الضرورة في اختلال التوازن والتناسب بين المصالح المتعارضة، بحيث تكون المصلحة المضحى بها أكبر قيمة من المصلحة المحمية، ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن المضطر في مثل هذه الأحوال قد ارتكب خطأ في الموازنة بين المصلحتين وبذلك استحق مطالبته بالتعويض.
وفي المقابل نجد أن هناك الكثير ممن يعارضون ما ذهب غليه الاتجاه الأول، واستندوا في ذلك إلى ما يلي:
أولا أن الهدف من المسؤولية المدنية هو تعويض المتضرر عن الضرر الذي أصابه دون اشتراط الخطأ من جانب مرتكب الفعل أي أن الهدف لقيام المسؤولية هو تحقق الضرر دون أي اعتبار لخطأ الجاني وهي ما تعرف بنظرية التبعة، وهناك من يرى أن الخطأ يستنتج من الأفعال التي أتاها الجاني دون أن تكون ظاهرة تماما، ومثال ذلك الإخلال بالسلامة العامة حيث يضمن لكل مواطن التعويض عن أي ضرر يلحق به ويلتزم بالتعويض من أحدث الضرر، بمعنى أن الضرر الذي لحقه قد يكون مشروعا أو غير مشروع وفي كلتا الحالتين يستحق المتضرر التعويض، ثانيا يرى أنصار هذا الرأي ضرورة التمييز بين الخطأ في المسؤولتين الجنائية والمدنية، فلا تلازم بين هذين الخطأين فإن كان الخطأ شرطا لازما في المسؤولية الجنائية فهو ليس كذلك في المسؤولية المدنية وبالتالي بمجرد تحقق الضرر تقوم المسؤولية المدنية تجاه مصدره، ثالثا: عن هناك العديد من الأخطاء التي تركب دون وجود مسئول عنها، وإن هناك مسؤولية دون أخطاء، ومثال الأخطاء دون مسؤولية الأطفال الصغار والعمال والمؤمن عليهم فمثل هؤلاء إن ارتكبوا أخطأ فإن المسؤولية لا تقع عليهم بل على من يتبعون إليهم مباشرة فالأطفال دون سن التمييز تعود مسؤوليتهم على ذويهم والعمال على صاحب العمل والمؤمن عليهم على شركة التأمين، وأما مثال المسؤولية دون أخطاء أن يقع الفعل دون أن نعلم الفاعل ونتجنى على الغير وهو غير مخطئ ويتحمل تعويض الضرر الواقع وكذلك الأضرار التي تقع بفعل بعض الأشياء الخاضعين لسلطة غيرهم.ويذهب بعضهم إلى إمكانية مساءلة المضطر بناء على نظرية الإثراء بلا سبب، وهذا الرأي منتقد من وجهة نظر الفقهاء ذلك لأن الإثراء بلا سبب يتطلب إضافة للذمة المالية من مال الغير، وما تلاحظه هو أن الشخص الذي يعمل على الحفاظ على مصلحة بالتضحية بأخرى أقل قيمة لا يضيف إلى ذمته المالية شيئا، ولكن إن أحدث شخص ضررا بغيره لينقذ مال شخص ثالث فإنه يعفى من التعويض إذا تيقن القاضي من نيل الباعث لديه، على أن يعود من أصابه الضرر على من حصلت وقايته من ضرر أكبر بدعوى الإثراء بلا سبب.ولحل هذا الإشكال نصت بعض التشريعات المدنية على وجوب التعويض عن حالة الضرورة بغض النظر عن وصفها بمانع مسؤولية أو سبب إباحة، ومن هذه التشريعات القانون المدني المصري في المادة 186 حيث نصت على ما يلي " من سبب ضررا للغير ليتفادى ضررا أكبر محدقا به أو بغيره لا يكون ملزما ألا بالتعويض الذي يراه القاضي منسبا:أما القانون المدني الأردني فقد سكت عن هذه المسألة ولا يعني هذا تنازله عن حق التعويض،بل إن الاكتفاء بفكرة الضرر هو المطبق فعلا، وهذا تطبيقا لما نصت عليه المواد 275،274 من القانون المدني الأردني ،حيث جاء في المادة 274 ما يلي "كل من أتى فعلا ضارا بالغير بالنفس من قتل أو جرح أو إيذاء يلزم بالتعويض عما أحدثه من ضرر للمجني عليه...."وجاء في المادة275 ما يلي "من أتلف مال غيره أو أفسده ضمن مثله إن كان مثاليا وقيته إن كان قيميا مع مراعاة الأحكام العامة للتضمين " هذا في حال قيام المضطر بفعله لصالحه، أما إن قام به لمصلحة الغير فله الحق في الرجوع على الأخير استنادا لنظرية الإثراء بلا سبب، والتي أشارت إليها المادة 301 من القانون المدني الأردني، فنرى أن مجرد تحقق الضرر يوجب قيام المسؤولية المدنية وبالتالي المطالبة بالتعويض عن الأضرار، وبذلك تكون المسؤولية المدنية قد تحققت بوقوع الضرر فقط.
ومن هنا نرى أن الخلاف محتدم بين أنصار الخطأ والضرر، والواقع الفعلي المطبق في أغلب أن لم يكن في جميع القوانين الوضعية هو وجوب التعويض عن الفعل الضار دون اشتراط الخطأ من جانب ملحق الضرر، فمجرد حصول الضرر كاف للقول بوجوب قيام المسؤولية المدنية وبالتالي التعويض عن الضرر.
وبعد أن ثبت الحق في التعويض كان على القاضي أن يحكم بالتعويض عن الضرر الذي لحق المضرور فقط دون الأخذ بأصول التعويض والتي تتطلب التعويض عن الضرر الواقع والربح الفائت، فالمسؤولية المستندة إلى الخطأ توجب التعويض الكامل بعكس المسؤولية القائمة على ففكرة الضرر والتي تستحق التعويض بما يحقق العدالة وبقدر الضرر الشخصي الذي تجنبه مرتكب الفعل الضار.
الخاتمة
عرضنا في هذا البحث إلى حالة الضرورة وشروطها وأثارها، وقد تناولنا هذا البحث من خلال مباحث أربعة عرضنا في التمهيدي منها إلى تعريف حالة الضرورة في القوانين الوضعية، وعرضنا بعد ذلك إلى المساس الذي يبرر حالة الضرورة وكناقد رجحنا الإكراه المعنوي باعتبار أن إرادة الجاني وإن كانت قائمة وقت ارتكاب الفعل الإجرامي إلا أنها لم تكن كاملة الحرية بل يشوبها النقص والتأثر بالظروف المحيطة بالواقع.
تناولنا بعد ذلك الطبيعة القانونية لحالة الضرورة ووجدنا المشرع الأردني وكذلك الكويتي اعتبرها كمانع للمسؤولية، وعرضنا في البحث الثالث إلى شروط حالة الضرورة بحيث يشترط في حالة الضرورة وجود خطر سيهدد شخصا ما وفعل وتناسب بين الخطر والفعل، ويشترط في الخطر أن يكون جسيما وحالا ومهددا للنفس أو المال وأن لا يكون لإرادة الفاعل دخلا في حلول الخطر وأخيرا عدم التزام الشخص بتحمل الخطر، من جهة أخرى يشترط في الفعل أن يكون هو الوسيلة الوحيدة للتخلص من الخطر، وأن يكون من شأن الفعل التخلص من الخطر، وأخيرا يشترط أن يكون هناك تناسبا بين الفعل والخطر بحيث على الجاني أن يقيم توازنا صحيحا بين المصالح المتصارعة باعتبار الضرورة مشروعية ضد مشروعية تعرضنا أخيرا لبيان آثار حالة الضرورة ووجدنا أن هناك آثار جنائية، وآثار مدنية.
وأخيرا أتمنى أن يكون قد وفقت في هذا العرض المقتضب لموضوع بحثي المرسوم بعنوان حالة الضرورة، بما يحقق القاعدة المرجوة، ولكن يبقى على الدوام فوق كل ذي علم عليم.
قائمة المراجع
1- السعيد مصطفى السعيد(الأحكام العامة في قانون العقوبات ) ط4، دار المعارف بمصر،1962.
2- المرصفاوي، (قانون العقوبات تشريعا وقضاء في مائة عام)، ط(2)، منشأة المعارف بالإسكندرية 1994.
3- أنور سلطان، (مصادر الالتزام المدني الأردني) ط1، منشورات الجامعة الأردنية،1987 .
4- رمسيس بهنام، (نظرية التجريم في القانون الجنائي)، منشأة المعارف، الإسكندرية،1971 .
5- سليمان مرقص، (الوافي في شرح القانون المدني)المجلد الأول 1992 .
6- عبد الرؤوف منعم:شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات- مكتبة أطلس، القاهرة
7- عبد الوهاب حومد، (المفصل في شرح قانون العقوبات، القسم العام) المطبعة الجديدة، دمشق، 1990 .
8- عبود السراج، التشريع الجزائي المقارن في الفقه الإسلامي والقانون السوري)، المطبعة الجديدة، دمشق،1975،1976 .
9- على حسن الشرفي (الباعث وأثره في المسؤولية الجنائية)ط1،1986، الزهراء للإعلام العربي.
10-على راشد، (القانون الجنائي، المخل وأصول النظرية العامة)،ط2،دار النهضة العربية،1974 11-عوض محمد (قانون العقوبات / القسم العام)، دار المطبوعات الجامعية ، بمصر ، دون سنة النشر.
12-فريد الزعبي: الموسوعة الجزائية اللبنانية الحديثة، الكتاب الخامس، بيروت، 1982
13-محسن عبد الحميد البني(حقيقة أزمة المسؤولية ودور تامين المسؤولية)مكتبة الجلاء المصرية،1993
14-محمد إبراهيم دسوقي، (تقدير التعويض بين الضرر والخطأ)،1980
15-محمد أبو عامر )قانون العقوبات/ القسم العام)، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية،1986
16-محمد مصطفى القللي، (المسؤولية الجنائية)، مطبعة جامعة فؤاد ن القاهرة، 1948
17-محمود محمود مصطفى، (شرح قانون العقوبات)،ط10، مطبعة جامعة الأزهر،1983
18-محمود نجيب حسني، (شرح قانون العقوبات)، القسم العام، دار النهضة العربية،1962
19-مصطفى هرجه، (لتعليق على قانون العقوبات في ضوء الفقه والقضاء)،ط2، 1991/1992