باسم 150 ألف متداول في البورصة نطلق هذه الصرخة:
وا أميراه... أنقذوا الاقتصاد من خبراء سوق "الجت"
كتب - أحمد الجارالله:
من أتته نعمة ولم يشكر, ذهبت منه من دون ان يشعر.. هل نحن الآن في وضع من تسربت النعمة من بين يديه, وهل نحن فعلا لم نشكر, وما الذي يحدث لنا, وإلى أين المسار, وهل أصاب قلوبنا وعقولنا العمى والغشاوة اللذان يتحكم فيهما هوى النفس وتقلباتها? في أزمة المناخ فإنها بداية لم تكن أزمة, ولكن تأخر فيها القرار وأفرزت مفردات بها تشخيص للأزمة, غير أنه لم يكن تشخيص حل, حيث قيل يومها إنها أزمة "طارئين" على التجارة, وقيل ايضا إنها أزمة "فرسان المناخ" وأن الازمة محصورة بهم, أما اقتصاد البلد فهو بخير, ولن يتأثر بشيء من ذلك كله.
أما ما حدث بالفعل فهو أن الازمة تحولت إلى أزمات, وولدت الأزمة خبراء من سوق "الجت" وسوق السمك, وخبراء خرجوا من رحم أجندات ثقافة الحسد والبغضاء... والتقى الخبيث مع خائب الرجاء, وحصروا الأزمة ب¯ "فرسان المناخ" و"حفنة طارئين على التجارة", وأقنعوا الجميع بأن "الباقي بخير, والبنوك بخير", فماذا كانت النتيجة? ناتج الأزمة هو ما يعرفه الجميع: إفلاس اثني عشر الفا من اخيار أهل الكويت... كل ذلك حدث لأن تشخيص هؤلاء "الخبراء" تم في غياب قرار الجهات العليا التي تركت لهم وضع ما يشاؤون من حلول, والمحصلة في النهاية انه تم شراء المديونية بستة بلايين من الدنانير لحماية البنوك... مع أن الأمر يومها لم يكن يتطلب مثل هذه الكلفة, وكان الحل أبسط من ذلك بكثير, ويتلخص في شراء مديونية أحد فرسان المناخ, وحماية الشركات التي طمعت وصدقت كلام الكذاب, وكان هناك ايضا حل ابسط من هذا خرجت به وزارة التجارة, وهو إرجاع المديونية الى بداياتها, أي اسقاط الشيكات التي تتعدى حجم الكتلة النقدية, وهو ما فعلته بريطانيا والبحرين في ازمتين مماثلتين, لكن خرج علينا من خرج برؤية قاصرة فرضها, من دون ان يصده أحد, مؤداها ان "العقد شريعة المتعاقدين", رغم انها - كما يقال - "دعوى حق أريد بها باطل", أو أدت الى باطل, حتى لو لم يكن صاحبها يقصد ذلك... لقد كان الحل - كما ذكرنا - في شراء مديونية واحد من فرسان المناخ واحالته للعقوبة التي يستحقها, وحماية الشركات التي تعاملت معه, ولم يكن المبلغ في ذلك الوقت نصف بليون دينار, بعد اعادة البيوعات بالشيكات المؤجلة التي أحلها الأول, وهي نصف البليون... ولو تم إقرار مثل هذا الحل لأدى ذلك الى حماية كل شخوص المتعاملين في سوق الاوراق المالية الذي بدأ وقتها ينتعش... نصف بليون لحماية هؤلاء المتعاملين وحماية البنوك الدائنة لهم في الوقت نفسه, ونكون بذلك قد ضربنا عصفورين بحجر واحد, حمينا اولئك المتداولين ورجال الاعمال والشركات الذين تركناهم يواجهون الافلاس, نتيجة سوء التقدير وإقرار نظريات خائبة قصدها الاضرار وليس الانجاز. نعم كنا ضربنا عصفورين بحجر واحد وأنقذنا الشركات التي بدورها ستنقذ البنوك, ولم نكن بالتالي بحاجة الى حماية البنوك من تلك الاضرار التي ستأتيها بسبب افلاس بعض الشركات ولا أقول كل الشركات.
ما الذي نفعله اذا بالأزمة التي تواجهنا الآن, والتي يمكن ببساطة ان تتحول إلى ازمة اخرى, ما دامت الاهواء التي رأيناها في "المناخ" هي نفسها الاهواء التي لا نزال "نعشعش" عليها... هذه الازمة الحالية لم تكن اسبابها طارئة, ولم تكن محلية محضة, او أزمة "فرسان مناخ", وانما هي أزمة هبت على العالم كله, وقادة هذا العالم هم الذين تصدوا لها ولم تترك للجان او بنوك مركزية, او الى نفوس تتجاذبها أهواء من هنا وهناك. لقد تحرك قادة هذه الدول وامروا بالحل وليس بتشخيص المشكلة, فالمرض معروف ودواؤه ايضا معروف, وليس بحاجة الى اربعة او خمسة اشهر, ليقال لنا بعد ذلك "البحر من ورائكم والعدو أمامكم", أربعة او خمسة اشهر ليقال لنا هناك أزمة, وكأننا لا نعرف - والعالم كله لا يعرف - أن هناك أزمة! لقد كان حل هذه الازمة في بداياتها وصفة ناجعة ومفيدة, لكن التأخير حدث وانتشر المرض في اجسادنا أكثر, وأصبحنا نسمع أننا معنيون بحماية البنوك, وهو نفس ما قيل لنا في زمن "المناخ"... حماية البنوك من مَنْ? أليست الأزمة العالمية التي اصابت الشركات والأفراد عندنا وفي كل مكان هي التي عصفت بها وبهم, ولم يكن الأمر بفعل فاعل? ألا يجدر بنا أن نحمي هذه الشركات, لا نقول كلها, بل بعضها, والتي كان اداؤها لا غبار عليه? أليس من الواجب أن نحمي هذه الشركات لنحمي البنوك - بالتالي - من ديونها? ونعود لنقول مثلما قلنا في أزمة المناخ, مع الفارق, أننا بحماية هذه الشركات نحمي البنوك ونضرب عصفورين بحجر واحد, بدلا من أن نرى قريبا في صحف الكويت ما رأيناه سابقا من أسماء شركات وأفراد أحيلوا إلى الافلاس, هل هذا هو المطلوب?
في دول العالم هناك ما يسمى القانون التجاري (حماية التاجر أو الشركة من منغصات الدائنين) واعفاء الشركات والأفراد الذين تنقصهم السيولة أو غير القادرين على تسديد ديونهم نتيجة ظرف كارثي محلي أو دولي, واعفاء هذه الشركات بأمر قضائي حماية من الدائنين تصل مدته الى عشر سنوات خصوصا إذا كان مستقبل الشركة أو المؤسسة جيدا ولا ينقصها إلا حماية مؤقتة من الدائنين, وذلك لحماية مستقبلها ومستقبل العمالة الموجودة بها, حتى لا نجد أن عقود هذه العمالة قد ألغيت, وساعتها نواجه بمشكلة أخرى وهي بطالة الايدي العاملة.
الحلول التي طرحت في دول العالم حلول قادة ولم تكن حلول أفراد أو لجان كل يأتي من رأسه بصوت... ففي أميركا, وبريطانيا, والاتحاد الأوروبي, والامارات, والبحرين, واليابان, والسعودية, والصين, لم تكن الحلول حلول لجان وان تم استشارة هؤلاء لكنها الأوامر. نحن نريد حلا وليس تشخيصا للأزمة. الازمة نعرفها والحل هو المراد بهذا التشخيص. لم نكن بحاجة إلى القاء الاخطاء على تلك الشركات أو ذاك الرجل, ولسنا بصدد ان نعاقب هذا أو تلك او نحسد ذاك أو هذا, أو نسدد فواتير عاطفية ضد هذه المؤسسة أو ذاك الرجل.
في الأزمات هناك غانم وهناك غارم, وإذا اردنا فرز الغانم من الغارم فإننا نحتاج الى سنوات وسنوات وتكون كلفة الحل أضعاف ما أردناه.
اخيرا في زمن مضى صرخت امرأة عربية مسلمة من أحد سجون الروم قائلة: "وا معتصماه", تحرك على إثرها الخليفة المعتصم بجيش جرار لانقاذ المرأة العربية المسلمة, ولم ينتظر مجلس أمة ليوافق ولم يستشر القادة العسكريين.
في الكويت اليوم كلنا نصرخ: وا أميراه... وا صباحاه, نصرخ باسم مئة وخمسين ألف متداول في سوق أوراقنا المالية, وحماية اقتصادها ورجال مالها, تستحق منا أن ندفع من المال الذي قلنا في يوم من الأيام أنه مال أبيض لليوم الأسود, اقتصاد الكويت وأهل الكويت والعمالة الكويتية العاملة في هذا الاقتصاد من شركات وبنوك يصل عددها الى ما يقارب الثلاثة عشر الفا هي بحاجة إلى حماية اقتصاد هذا البلد الذي يحتاج منا أن نخدمه ولسنا بخاسرين بخدمته, فبتعافيه يتعافى قرشنا الأبيض, نعود ونخزنه ليوم أسود إن جاء وندعو الله أن لا يجيء.
أخيرا... اللهم احمنا من شر غائلة الأنفس وما تُخفي الصدور.