bnyder2002
عضو نشط
الخوف من هبوط مخصصات القطط السمان بعد الأزمة المالية
المساهمون يلومون تضخم مكافآت تنفيذيي الشركات ويطالبون بتخفيضها
0
في غمرة الغضب المتزايد من حزم التعويض السخية، يستعد الكونغرس للتشريع ضد الحوافز الحافلة بالأخطاء التي يلام عليها إفراط الشركات الأميركية.
ويمكن لدان بدروتي أن يشير إلى اللحظة التي رأى فيها لأول مرة الموجة المتزايدة للغضب بين الطبقة المتوسطة في أميركا ضد حزم الأجور الضخمة لتنفيذيي الشركات، وكان ذلك خلال الأيام القليلة الأخيرة من حملة السنة الماضية الرئاسية، وكان بدروتي، وهو زعيم نقابي قد أخذ إجازة من afl-cio، وهو الاتحاد العمالي العملاق، للقيام بحملة لمصلحة باراك اوباما.
وكانت مهمته دعوة الناخبين البيض من الطبقة المتوسطة الدنيا- الذين يسمون في أغلب الأحيان بـ «ديموقراطيي ريجان» لتحالفاتهم السياسية المتقلبة- لإقناعهم بانتخاب أول رئيس اسود لأميركا.
ومن الطرف الثاني على الهاتف، في حين كان المستجيبون يعبرون عن مخاوفهم وغضبهم إزاء قدرتهم على التعايش مع أسوأ ركود اقتصادي خلال ثلاثة أرباع قرن، ظلت قضية واحدة تثار مرة بعد أخرى. ويقول بدروتي: «تعويض التنفيذيين كان يشكل القضية الأولى بالنسبة للديموقراطيين وكنت أسمع ذلك يومياً، وقد تغير الجدل تغيراً أساسياً من قضية مساهمين إلى قضية دافعي ضرائب، ويصل مستوى الغضب والتشكك في كل أنحاء البلاد مستويات قياسية». كما يوافق قادة العمال بشكل واضح، فحتى مارتن ليبتون، المحامي المتنفذ الذي يعتبر واحداً من أقوى المدافعين عن الشركات الأميركية، يعترف في رسالته السنوية لمجالس الإدارة أن الاهتمام الذي يولى لأجور التنفيذيين «الذي يجيء من الناشطين والمنظمين والجمهور قد وصل إلى مستويات كبيرة جديدة».
واستجابت بعض الشركات لمزاج البلاد المتغير، ومعظم البنوك التي ذهبت إلى الحكومة وتلقت بلايين الدولارات من الخزائن الفيدرالية شطبت مكافآت التنفيذيين لهذه السنة، وبعضها، مثل «مورجان ستانلي» و«سيتي جروب» تعهدت بتقليص بعض المكافآت المستحقة للمتداولين والموظفين الكبار الآخرين، إذا ساءت رهاناتهم.
وتأخذ بقية الشركات الأميركية بالرسالة القادمة من «وول ستريت»، فالشركات البارزة مثل «فيدإكس» و«موتورولا» و«كاتربيلار» خفضت الأجور والمكافآت للتنفيذيين، وتخطط شركات أخرى كثيرة لتحذو حذوها، حيث إن ثلاثاً من كل أربع شركات أميركية كبيرة قد خفضت المكافآت لهذه السنة أو تخطط لتخفيضها، وفقاً لاستطلاع أجرته المؤسسة الاستشارية «واتسون ديات».
لكن الأميركيين يطالبون بما هو أكثر، حيث يقول ثلاثة أرباع الذين تم استطلاع آرائهم في استطلاع أجرته «بلومبرج/ لوس أنجلس تايمز» في أوائل شهر ديسمبر المنصرم ان البنوك التي تلقت أموالاً حكومية عليها أن تلغي كل المكافآت للموظفين في هذه السنة، ويقول نحو النصف إن على جميع المجموعات في «وول ستريت»، بغض النظر عما إذا كانت قد تلقت أموالاً حكومية، أن تلغي المكافآت.
وتعتبر ردة الفعل إزاء أجور التنفيذيين الكبيرة جداً تغيراً أساسياً في موقف أميركا من الطريقة التي تكافئ بها من هم في قمة شجرة الشركات، وعلى عكس بريطانيا حيث كان الغضب الذي أثارته الطبقات إزاء «القطط السمان» فكرة متكررة للحوار العام، وسائر بلدان أوروبا حيث اقترنت التقاليد الاجتماعية والسياسية لإخفاء أجور التنفيذيين، فإن لدى أميركا إحساساً ضئيلاً بوخز الضمير إزاء إمطار رجال الأعمال الناجحين بالأموال.
والحكمة السائدة كانت طوال سنوات حين يتعلق الأمر بالأجور فإن التفاعل بلا حدود بين قوى السوق الحرة كان أفضل طريقة لاجتذاب وحفز المواهب العالية والحفاظ عليها وشحذ تفوق أميركا التنافسي، وكما يقول تنفيذي في إحدى الشركات بأكثر من تلميح بالأسف: «كان جزءاً من الحلم الأميركي، إذا عملت بجهد فإن بإمكان أي شخص أن يصبح غنياً ويستمتع بذلك أيضا».
أما إيمان أميركا بنظامها الذي يعتمد على الكفاءة فينعكس في حقيقة أن الفجوة بين التنفيذيين الأغنياء وصفوف الموظفين الذين لا يملكون شيئاً، قد أخذت تزداد بشكل ثابت منذ الحرب العالمية الثانية دون إثارة دعوة واسعة النطاق للتغيير، وبحلول عام 2007 فإن الرئيس التنفيذي العادي كان يحصل على ما لا يقل عن 275 ضعفاً لما يحصل عليه العامل العادي، وفقاً لمعهد السياسة الاقتصادية، وهو مؤسسة فكرية في واشنطن (وبحسابات أخرى فإن النسبة المضاعفة بلغت 369 ضعفاً)، لكن عدداً قليلاً خارج الحركة النقابية وصناديق التقاعد التي تسيطر عليها طالبت مجالس الإدارة بتقييد أجور التنفيذيين. غيرت الأزمة المالية كل ذلك. فمع التراجع الشديد لأسعار الأسهم، تجمدت أوراق المال ودخل الاقتصاد الأميركي في ركود وتغير ميزان القوى فيما يتعلق بمرتبات التنفيذيين بصورة مثيرة. يقول أحد التنفيذيين في وول ستريت: «ثارت ثائرة الرأي العام بسبب الخسائر الهائلة والأداء المفزع لأسهم عديد من الشركات. ولم يتذمر أي شخص عندما كانت الأرباح وأسعار الأسهم تحلق عالياً».
من المؤكد أن يؤدي الغضب العام إلى نتيجة لم تكن تخطر على بال التنفيذيين قبل اندلاع الأزمة: ونعني بذلك سن قانون جديد، يحد من قدرة الشركات على منح قادتها مكافآت سخية. ويقول بارني فرانك، العضو المتنفذ في الكونغرس عن الحزب الديموقراطي والذي ترأس لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب، يقول إن الكونغرس سوف يتحرك بسرعة لسن قانون يحكم المرتبات ويعطي المساهمين صوتاً غير ملزم بشأن مكافآت التنفيذيين.
يقول معارضو هذا القانون إنه حتى على الرغم من أن مجالس الإدارة تستطيع من الناحية النظرية أن تتجاهل آراء المساهمين، فإن نسبة عالية من الأصوات الرافضة من شأنها أن تضغط على أعضاء مجلس الإدارة لتغيير نظام مكافآتهم على نحو يمكن أن يلحق الضرر بثروات الشركة في المدى الطويل. إضافة إلى ذلك، إن النص في القانون على المبدأ الذي يعطي المساهمين الحق في أن تكون لهم كلمة حول مرتبات التنفيذيين يمكن أن يقوض الولاية التقليدية لمجالس الإدارة على هذا الموضوع.
عندما تم قبل سنتين اقتراح سن هذا الإجراء الذي يعكس أحكاماً موجودة من قبل في المملكة المتحدة، واستراليا، والسويد، وهولندا، لم يحصل على التأييد الكافي ليصبح قانوناً. فقد حظي بموافقة مجلس النواب، ولكن لم تتم المصادقة عليه من قبل مجلس الشيوخ رغم دعم اوباما القوي له الذي يعتبر أكبر مؤيد له في مجلس الشيوخ. اعتماداً على النصر الذي حققوه في الانتخابات الرئاسية وحصولهم على أغلبية واضحة في مجلسي الكونغرس كليهما، فإن الديموقراطيين واثقون من أنه ستكون لهم كلمة حول المرتبات تمتد إلى القوانين هذه المرة. وفي الحقيقة أن بعض زعمائهم مثل فرانك يفكرون في اتخاذ تدابير قوية للحد من الأنشطة الخطرة التي دفعت «وول ستريت» إلى حافة الاندثار ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. يقول فرانك في هذا الصدد: «هناك شيء واحد نستطيع أن نفعله وهو أن تكون لنا كلمة حول المرتبات. ولكن الأمر الأصعب هو التعامل مع الحوافز الشريرة. ذلك انك إذا جازفت ونجحت، فإنك تحصل على مكافأة. وإذا جازفت وأضعت أموال الشركة، فإنك لا تخضع للمحاسبة- إن هذا يعتبر حافزاً سيئاً.»
ويضيف فرانك قائلاً: «لا يهمني حصول التنفيذيين على مكافآت في حال نجاحهم طالماً خضعوا للمحاسبة إذا حدث العكس. لذا ينبغي علينا أن نجد طريقاً لجعل هذا الأمر قانوناً. ويرى فرانك أنه يمكن وضع هذه الأحكام التي تعمل باتجاهين على شكل قانون:» إن بإمكانهم الحصول على أية مكافأة طالما أن الشارع باتجاهين».
صناديق التقاعد التي تسيطر عليها النقابات تدعم هذا التوجه، وسوف تقترح اتخاذ قرارات من قبل المساهمين في أكثر من 50 شركة هذا العام تطالب بأحكام تعمل باتجاهين حول المكافآت. ويقول المؤيدون لوضع قيود أكبر على مرتبات التنفيذيين إن الأزمة المالية أثبتت فشل كثير من مجالس الإدارة ومستشاريها في ربط المكافأة بالأداء.
يقول ريتشارد فيرلوتو، مدير إدارة سياسات التقاعد والميزات في الاتحاد الأميركي لموظفي الدولة والمقاطعات والبلديات، وهو نقابة كبيرة: «وجود كلمة لنا حول المرتبات سيمكننا من مناقشة نواحي الخطأ في نموذج المرتبات الذي يركز فيها الرئيس التنفيذي على الاستقدام والاستبقاء ولا يركز على القيمة المضافة. إن برامج المكافآت هذه ليست مبنية على الأداء، ليس هذا فحسب، ولكن تم تصميمها على نحو أضر بقيمة المساهمين».
رغم ذلك، لا يبدو أن فرانك ومعظم زملائه ميالون لدعم اتخاذ إجراء قاس بدأ معظم التنفيذيين العاملين في الشركات يخشون منه في ظل المناخ السائد حالياً: أي أن تفرض الحكومة حدوداً للمكافآت. ويقول كريستوفر كوكس، رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصة الذي سبق له أن عمل كعضو في الكونغرس لمدة 17 عاماً: «لا أعتقد أن الكونغرس سيكون مهتماً بفرض قيود على المرتبات الخاصة بالتنفيذيين العاملين في الشركات»، على أن ذوي الخبرة في حوكمة الشركات يقولون إن المشرعين وضعوا بالفعل، من ناحية واحدة على الأقل، سقوفاً جديدة للمرتبات عبر الاشتراطات التي ألحقوها بالأموال التي صرفها برنامج إنقاذ الموجودات المتعثرة، وهو خطة الإنقاذ الحكومية بمبلغ 700 بليون دولار للصناعة المالية. ذلك أن البرنامج المذكور فيه قوانين تمنع الشركات من منح أتعاب كبيرة لبعض التنفيذيين عند خروجهم منها وقصر الإعفاء الضريبي على الأتعاب التي لا تزيد قيمتها على 500،000 دولار.
يرى بعض الخبراء في حوكمة الشركات أن هذه القيود مستحقة منذ زمن طويل، ولكن حقيقة أن الأمر تطلب حدوث أزمة تاريخية- وتدخلاً حكومياً قوياً- لإدخال هذه التغييرات يؤكد فشل مجالس الإدارة في وضع معايير ملائمة لمرتبات التنفيذيين. إذ يقول هارفي بيت، الرئيس السابق لهيئة الأوراق المالية والبورصة والذي يدير الآن شركة كالوراما وشركاه الاستشارية: «من المؤكد أن الدفع للأشخاص عندما لا يكون أداؤهم جيداً ولا يقومون بالعمل الذي تم التعاقد معهم من أجله شيء غير أميركي. إن هذا مسألة كبيرة لم تعالجها مجالس الإدارة بصورة حقيقية على النحو الذي ينبغي أن تعالجها به».
ويرى بعض المراقبين أنه كان ينبغي أن تتوقع مجالس الإدارة والتنفيذيون حدوث هذا الأمر حتى قبل أن تصبح المكافآت أو الأجور مانعة للصواعق بالنسبة للأميركي العادي. وعندما أطلق كوكس عملية مراجعة لقوانين الإفصاح المتعلقة بالمرتبات والمكافآت بعد أن أصبح رئيساً لهيئة الأوراق المالية والبورصة، تلقت الهيئة 30،000 خطاب تعليق من المستثمرين وغيرهم من الجهات المهتمة بهذا الأمر، ويعتبر هذا العدد أكبر عدد من الخطابات حتى تاريخه يتناول قضية واحدة. وعندما سرى مفعول تلك القوانين في عام 2006، وسعت نطاق المعلومات التي تمت مطالبة الشركات بتقديمها حول مقدار المكافآت التي تمنحها لأعلى تنفيذييها أجراً وكيف ولماذا. لكن الشركات مازالت مقصرة في تقديم شرح كامل للكيفية التي تقيم بها المكافأة والأجر الذي يمنح للشخصية التنفيذية. ويقول بيت في هذا الصدد: «حقيقة الأمر أن الشركات الأميركية لم تفهم أبداً ما هو المطلوب لتبرير الأتعاب العالية التي تدفع لكبار التنفيذيين. إن الشركات لم تستثمر الوقت والطاقة للتركيز على ما تريد من كبار تنفيذييها أن يقوموا به وكيفية قياس ما إذا كانوا قد حققوه».
ويضيف قائلاً: «ذا لم يقم مجتمع الأعمال بهذا، فهناك جهة أخرى ستقوم به. إن الكونغرس مغتاظ، وهذا أمر مفهوم، وقد بدأ يضع يده على هذه الأمور».
المساهمون يلومون تضخم مكافآت تنفيذيي الشركات ويطالبون بتخفيضها
0
في غمرة الغضب المتزايد من حزم التعويض السخية، يستعد الكونغرس للتشريع ضد الحوافز الحافلة بالأخطاء التي يلام عليها إفراط الشركات الأميركية.
ويمكن لدان بدروتي أن يشير إلى اللحظة التي رأى فيها لأول مرة الموجة المتزايدة للغضب بين الطبقة المتوسطة في أميركا ضد حزم الأجور الضخمة لتنفيذيي الشركات، وكان ذلك خلال الأيام القليلة الأخيرة من حملة السنة الماضية الرئاسية، وكان بدروتي، وهو زعيم نقابي قد أخذ إجازة من afl-cio، وهو الاتحاد العمالي العملاق، للقيام بحملة لمصلحة باراك اوباما.
وكانت مهمته دعوة الناخبين البيض من الطبقة المتوسطة الدنيا- الذين يسمون في أغلب الأحيان بـ «ديموقراطيي ريجان» لتحالفاتهم السياسية المتقلبة- لإقناعهم بانتخاب أول رئيس اسود لأميركا.
ومن الطرف الثاني على الهاتف، في حين كان المستجيبون يعبرون عن مخاوفهم وغضبهم إزاء قدرتهم على التعايش مع أسوأ ركود اقتصادي خلال ثلاثة أرباع قرن، ظلت قضية واحدة تثار مرة بعد أخرى. ويقول بدروتي: «تعويض التنفيذيين كان يشكل القضية الأولى بالنسبة للديموقراطيين وكنت أسمع ذلك يومياً، وقد تغير الجدل تغيراً أساسياً من قضية مساهمين إلى قضية دافعي ضرائب، ويصل مستوى الغضب والتشكك في كل أنحاء البلاد مستويات قياسية». كما يوافق قادة العمال بشكل واضح، فحتى مارتن ليبتون، المحامي المتنفذ الذي يعتبر واحداً من أقوى المدافعين عن الشركات الأميركية، يعترف في رسالته السنوية لمجالس الإدارة أن الاهتمام الذي يولى لأجور التنفيذيين «الذي يجيء من الناشطين والمنظمين والجمهور قد وصل إلى مستويات كبيرة جديدة».
واستجابت بعض الشركات لمزاج البلاد المتغير، ومعظم البنوك التي ذهبت إلى الحكومة وتلقت بلايين الدولارات من الخزائن الفيدرالية شطبت مكافآت التنفيذيين لهذه السنة، وبعضها، مثل «مورجان ستانلي» و«سيتي جروب» تعهدت بتقليص بعض المكافآت المستحقة للمتداولين والموظفين الكبار الآخرين، إذا ساءت رهاناتهم.
وتأخذ بقية الشركات الأميركية بالرسالة القادمة من «وول ستريت»، فالشركات البارزة مثل «فيدإكس» و«موتورولا» و«كاتربيلار» خفضت الأجور والمكافآت للتنفيذيين، وتخطط شركات أخرى كثيرة لتحذو حذوها، حيث إن ثلاثاً من كل أربع شركات أميركية كبيرة قد خفضت المكافآت لهذه السنة أو تخطط لتخفيضها، وفقاً لاستطلاع أجرته المؤسسة الاستشارية «واتسون ديات».
لكن الأميركيين يطالبون بما هو أكثر، حيث يقول ثلاثة أرباع الذين تم استطلاع آرائهم في استطلاع أجرته «بلومبرج/ لوس أنجلس تايمز» في أوائل شهر ديسمبر المنصرم ان البنوك التي تلقت أموالاً حكومية عليها أن تلغي كل المكافآت للموظفين في هذه السنة، ويقول نحو النصف إن على جميع المجموعات في «وول ستريت»، بغض النظر عما إذا كانت قد تلقت أموالاً حكومية، أن تلغي المكافآت.
وتعتبر ردة الفعل إزاء أجور التنفيذيين الكبيرة جداً تغيراً أساسياً في موقف أميركا من الطريقة التي تكافئ بها من هم في قمة شجرة الشركات، وعلى عكس بريطانيا حيث كان الغضب الذي أثارته الطبقات إزاء «القطط السمان» فكرة متكررة للحوار العام، وسائر بلدان أوروبا حيث اقترنت التقاليد الاجتماعية والسياسية لإخفاء أجور التنفيذيين، فإن لدى أميركا إحساساً ضئيلاً بوخز الضمير إزاء إمطار رجال الأعمال الناجحين بالأموال.
والحكمة السائدة كانت طوال سنوات حين يتعلق الأمر بالأجور فإن التفاعل بلا حدود بين قوى السوق الحرة كان أفضل طريقة لاجتذاب وحفز المواهب العالية والحفاظ عليها وشحذ تفوق أميركا التنافسي، وكما يقول تنفيذي في إحدى الشركات بأكثر من تلميح بالأسف: «كان جزءاً من الحلم الأميركي، إذا عملت بجهد فإن بإمكان أي شخص أن يصبح غنياً ويستمتع بذلك أيضا».
أما إيمان أميركا بنظامها الذي يعتمد على الكفاءة فينعكس في حقيقة أن الفجوة بين التنفيذيين الأغنياء وصفوف الموظفين الذين لا يملكون شيئاً، قد أخذت تزداد بشكل ثابت منذ الحرب العالمية الثانية دون إثارة دعوة واسعة النطاق للتغيير، وبحلول عام 2007 فإن الرئيس التنفيذي العادي كان يحصل على ما لا يقل عن 275 ضعفاً لما يحصل عليه العامل العادي، وفقاً لمعهد السياسة الاقتصادية، وهو مؤسسة فكرية في واشنطن (وبحسابات أخرى فإن النسبة المضاعفة بلغت 369 ضعفاً)، لكن عدداً قليلاً خارج الحركة النقابية وصناديق التقاعد التي تسيطر عليها طالبت مجالس الإدارة بتقييد أجور التنفيذيين. غيرت الأزمة المالية كل ذلك. فمع التراجع الشديد لأسعار الأسهم، تجمدت أوراق المال ودخل الاقتصاد الأميركي في ركود وتغير ميزان القوى فيما يتعلق بمرتبات التنفيذيين بصورة مثيرة. يقول أحد التنفيذيين في وول ستريت: «ثارت ثائرة الرأي العام بسبب الخسائر الهائلة والأداء المفزع لأسهم عديد من الشركات. ولم يتذمر أي شخص عندما كانت الأرباح وأسعار الأسهم تحلق عالياً».
من المؤكد أن يؤدي الغضب العام إلى نتيجة لم تكن تخطر على بال التنفيذيين قبل اندلاع الأزمة: ونعني بذلك سن قانون جديد، يحد من قدرة الشركات على منح قادتها مكافآت سخية. ويقول بارني فرانك، العضو المتنفذ في الكونغرس عن الحزب الديموقراطي والذي ترأس لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب، يقول إن الكونغرس سوف يتحرك بسرعة لسن قانون يحكم المرتبات ويعطي المساهمين صوتاً غير ملزم بشأن مكافآت التنفيذيين.
يقول معارضو هذا القانون إنه حتى على الرغم من أن مجالس الإدارة تستطيع من الناحية النظرية أن تتجاهل آراء المساهمين، فإن نسبة عالية من الأصوات الرافضة من شأنها أن تضغط على أعضاء مجلس الإدارة لتغيير نظام مكافآتهم على نحو يمكن أن يلحق الضرر بثروات الشركة في المدى الطويل. إضافة إلى ذلك، إن النص في القانون على المبدأ الذي يعطي المساهمين الحق في أن تكون لهم كلمة حول مرتبات التنفيذيين يمكن أن يقوض الولاية التقليدية لمجالس الإدارة على هذا الموضوع.
عندما تم قبل سنتين اقتراح سن هذا الإجراء الذي يعكس أحكاماً موجودة من قبل في المملكة المتحدة، واستراليا، والسويد، وهولندا، لم يحصل على التأييد الكافي ليصبح قانوناً. فقد حظي بموافقة مجلس النواب، ولكن لم تتم المصادقة عليه من قبل مجلس الشيوخ رغم دعم اوباما القوي له الذي يعتبر أكبر مؤيد له في مجلس الشيوخ. اعتماداً على النصر الذي حققوه في الانتخابات الرئاسية وحصولهم على أغلبية واضحة في مجلسي الكونغرس كليهما، فإن الديموقراطيين واثقون من أنه ستكون لهم كلمة حول المرتبات تمتد إلى القوانين هذه المرة. وفي الحقيقة أن بعض زعمائهم مثل فرانك يفكرون في اتخاذ تدابير قوية للحد من الأنشطة الخطرة التي دفعت «وول ستريت» إلى حافة الاندثار ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. يقول فرانك في هذا الصدد: «هناك شيء واحد نستطيع أن نفعله وهو أن تكون لنا كلمة حول المرتبات. ولكن الأمر الأصعب هو التعامل مع الحوافز الشريرة. ذلك انك إذا جازفت ونجحت، فإنك تحصل على مكافأة. وإذا جازفت وأضعت أموال الشركة، فإنك لا تخضع للمحاسبة- إن هذا يعتبر حافزاً سيئاً.»
ويضيف فرانك قائلاً: «لا يهمني حصول التنفيذيين على مكافآت في حال نجاحهم طالماً خضعوا للمحاسبة إذا حدث العكس. لذا ينبغي علينا أن نجد طريقاً لجعل هذا الأمر قانوناً. ويرى فرانك أنه يمكن وضع هذه الأحكام التي تعمل باتجاهين على شكل قانون:» إن بإمكانهم الحصول على أية مكافأة طالما أن الشارع باتجاهين».
صناديق التقاعد التي تسيطر عليها النقابات تدعم هذا التوجه، وسوف تقترح اتخاذ قرارات من قبل المساهمين في أكثر من 50 شركة هذا العام تطالب بأحكام تعمل باتجاهين حول المكافآت. ويقول المؤيدون لوضع قيود أكبر على مرتبات التنفيذيين إن الأزمة المالية أثبتت فشل كثير من مجالس الإدارة ومستشاريها في ربط المكافأة بالأداء.
يقول ريتشارد فيرلوتو، مدير إدارة سياسات التقاعد والميزات في الاتحاد الأميركي لموظفي الدولة والمقاطعات والبلديات، وهو نقابة كبيرة: «وجود كلمة لنا حول المرتبات سيمكننا من مناقشة نواحي الخطأ في نموذج المرتبات الذي يركز فيها الرئيس التنفيذي على الاستقدام والاستبقاء ولا يركز على القيمة المضافة. إن برامج المكافآت هذه ليست مبنية على الأداء، ليس هذا فحسب، ولكن تم تصميمها على نحو أضر بقيمة المساهمين».
رغم ذلك، لا يبدو أن فرانك ومعظم زملائه ميالون لدعم اتخاذ إجراء قاس بدأ معظم التنفيذيين العاملين في الشركات يخشون منه في ظل المناخ السائد حالياً: أي أن تفرض الحكومة حدوداً للمكافآت. ويقول كريستوفر كوكس، رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصة الذي سبق له أن عمل كعضو في الكونغرس لمدة 17 عاماً: «لا أعتقد أن الكونغرس سيكون مهتماً بفرض قيود على المرتبات الخاصة بالتنفيذيين العاملين في الشركات»، على أن ذوي الخبرة في حوكمة الشركات يقولون إن المشرعين وضعوا بالفعل، من ناحية واحدة على الأقل، سقوفاً جديدة للمرتبات عبر الاشتراطات التي ألحقوها بالأموال التي صرفها برنامج إنقاذ الموجودات المتعثرة، وهو خطة الإنقاذ الحكومية بمبلغ 700 بليون دولار للصناعة المالية. ذلك أن البرنامج المذكور فيه قوانين تمنع الشركات من منح أتعاب كبيرة لبعض التنفيذيين عند خروجهم منها وقصر الإعفاء الضريبي على الأتعاب التي لا تزيد قيمتها على 500،000 دولار.
يرى بعض الخبراء في حوكمة الشركات أن هذه القيود مستحقة منذ زمن طويل، ولكن حقيقة أن الأمر تطلب حدوث أزمة تاريخية- وتدخلاً حكومياً قوياً- لإدخال هذه التغييرات يؤكد فشل مجالس الإدارة في وضع معايير ملائمة لمرتبات التنفيذيين. إذ يقول هارفي بيت، الرئيس السابق لهيئة الأوراق المالية والبورصة والذي يدير الآن شركة كالوراما وشركاه الاستشارية: «من المؤكد أن الدفع للأشخاص عندما لا يكون أداؤهم جيداً ولا يقومون بالعمل الذي تم التعاقد معهم من أجله شيء غير أميركي. إن هذا مسألة كبيرة لم تعالجها مجالس الإدارة بصورة حقيقية على النحو الذي ينبغي أن تعالجها به».
ويرى بعض المراقبين أنه كان ينبغي أن تتوقع مجالس الإدارة والتنفيذيون حدوث هذا الأمر حتى قبل أن تصبح المكافآت أو الأجور مانعة للصواعق بالنسبة للأميركي العادي. وعندما أطلق كوكس عملية مراجعة لقوانين الإفصاح المتعلقة بالمرتبات والمكافآت بعد أن أصبح رئيساً لهيئة الأوراق المالية والبورصة، تلقت الهيئة 30،000 خطاب تعليق من المستثمرين وغيرهم من الجهات المهتمة بهذا الأمر، ويعتبر هذا العدد أكبر عدد من الخطابات حتى تاريخه يتناول قضية واحدة. وعندما سرى مفعول تلك القوانين في عام 2006، وسعت نطاق المعلومات التي تمت مطالبة الشركات بتقديمها حول مقدار المكافآت التي تمنحها لأعلى تنفيذييها أجراً وكيف ولماذا. لكن الشركات مازالت مقصرة في تقديم شرح كامل للكيفية التي تقيم بها المكافأة والأجر الذي يمنح للشخصية التنفيذية. ويقول بيت في هذا الصدد: «حقيقة الأمر أن الشركات الأميركية لم تفهم أبداً ما هو المطلوب لتبرير الأتعاب العالية التي تدفع لكبار التنفيذيين. إن الشركات لم تستثمر الوقت والطاقة للتركيز على ما تريد من كبار تنفيذييها أن يقوموا به وكيفية قياس ما إذا كانوا قد حققوه».
ويضيف قائلاً: «ذا لم يقم مجتمع الأعمال بهذا، فهناك جهة أخرى ستقوم به. إن الكونغرس مغتاظ، وهذا أمر مفهوم، وقد بدأ يضع يده على هذه الأمور».